سأبدأ بالقصة التالية كمدخل للفكرة: في المرة الوحيدة التي قابلت فيها الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان، أتذكر أنه قال لمجموعة من الكتاب السعوديين: إن تجدد القضايا وولادتها الكثيفة المتجددة في المجتمع السعودي تجعلان أمام الكاتب في مثل هذه الثقافة عشرات القضايا اليومية التي تجعله يحار في اختيار أي منها.
أتذكر أنه قال: إن الكاتب السعودي في الجانب الاجتماعي أكثر حظا من صنوه الأميركي، وهذا يعود إلى أن هذه الثقافة المحلية لم تحسم كثيرا من قضايا الجدل والاختلاف، وأنها ما زالت تعيد حروب ذات الأفكار منذ خمسين سنة.
عدت إلى كل ما قاله، وسأذكر لكم الآن ما يلي: تحول مقال شارد كتبته الأسبوع الماضي إلى محور حديث لخطبة جمعة. ضحكت حين استمعت إلى المقطع، لأن هذا الرهاب الفكري وصل إلى الدرجة التي أصبح فيها انتقاد قرار إداري صرف في إدارة تعليم معضلة بحاجة إلى شيء من الفتوى التي تتصدر خطبة الجمعة. لا أعلم غدا في أي خطبة أو منبر سنكون إذا ما تجرأنا على انتقاد دائرة الضمان الاجتماعي أو مؤسسة النقد. أصبحنا بكل صراحة في حاجة إلى أن نتعرف على السيرة الذاتية وعلى الخلفية المرجعية لأي مسؤول كائنا من كان قبل أن نكتب. أصبحنا لا نعرف ما هو الفرق بين مدير التعليم وصاحب الفضيلة. أصبحنا لا نعرف، مرة أخرى، وفي حيرة كبرى، الفرق بين نقد إدارة التعليم وهيئة الأمر بالمعروف.
ضحكت مرة أخرى حين استمعت إلى هذا المقطع لأنني بت أخشى عودة البعض من القرن الخامس عشر الهجري إلى ما قاله أحدهم في القرن الخامس الهجري ولكن مع تحوير عصراني بسيط: (لحوم مديري التعليم مسمومة).
قفلة النهاية: وحيث يبقى هذا الرهاب من كاتب شجاع في هذا البلد فقد كنت أقول من قبل: إن الكتابة خط الثعابين، حيث هي في مجتمعنا لعبة خطيرة من المغامرة والمقامرة، وقد تكتب صباح الخميس عن الفتاة التي ماتت بسبب الإهمال، وعن الأخرى التي برأ القضاء والدها القاتل بحجة أنه أفرط في التأديب، لكنك قد تكون محور خطبة الجمعة إن لم تتعرف على السيرة الذاتية للوالد القاتل وحزبه ومرجعيته.