هذا عنوان كتاب جديد صدر لمعالي الدكتور محمد الرشيد وزير التربية السابق.
والدكتور الرشيد كاتب رأي يريد سكب خبرته التربوية الطويلة عبر آرائه في صفحات الرأي في صحفنا المحلية إلا أنه في كثير من الأحايين يتحول إلى كاتب شأن عام.. ويأتي كتابه الجديد متفقاً مع هذا السياق ليطرح رؤيته الخاصة حول المرأة وقضاياها.
والكتاب يحتوي على إهداء ومقدمة وعشرة فصول في ست وتسعين صفحة من القطع المتوسط. وكرّس في الإهداء وبكلمات منتقاة بعناية هويته الإسلامية المناصرة للقيم والمثل والأخلاق الإسلامية ليدلل على أن كل ما سيعرضه متفق مع ما أتت الشريعة الإسلامية من وجهة نظره..
ويعرف تماماً أنه سيلج إلى قضية خلافية فأراد أن يحدد هويته منذ البداية المبكرة حتى يطمئن القارئ على فضيلة توجهه.. وأعطى أربعة أسباب تخوله مناقشة هذه القضية (ص 11): أنه قد طرح هذه الأفكار في كتاباته ولم يعترض عليه أحد وأنه متعمق في هذه القضية باطلاعه على العديد من المراجع وأنه يعي المقاصد الشرعية وناقشها مع عدد من المختصين من الشيوخ والفقهاء وأنه يمتلك مهارات البحث والاجتهاد في أمور الدين. فأغلق بذلك باباً واسعاً ظن أنه سُيفتح عليه. ويبدأ الفصل الأول بتحليل خطاب بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وأقوال بعض العلماء مستخدماً أسلوبي تحليل الخطاب وتحليل المحتوى لإثبات هذه المساواة .. وأورد مدلولات بعض الآيات والأحاديث وآراء بعض العلماء.. كما أورد عدد التكررات الواردة في القرآن الكريم التي ساوت بين الذكر والأنثى في الخلق والمسؤوليه ( ص 14 ). وفصّل حدود العلاقة بينهما .. وخرج بنتيجة ضرورة تبني المسلم سلوك وعلاقة تكون أنموذجاً يكشف صفاء الدين الإسلامي في هذه القضية ويكون مثار إعجاب لغير المسلمين وانتهاج منهج تكاتف كلا الجنسين لعمارة الأرض. وتحدث المؤلف في الفصل الثاني عن المرأة والسلام ودور المرأة في إشاعة الاستقرار والخير واستدل من تاريخنا بشواهد لا يتسع المجال لذكرها لعبت فيها المرأة دورا في إشاعة السلام وحقن الدماء (ص23-28).
وفي الفصل الثالث يقرر المؤلف أن دية المرأه كدية الرجل مستشهداً باقوال بعض العلماء (ص 31 ) وقرر أن تجاهل ماجاء به الإسلام هو عدم إنصاف للمرأة وهضم لحقوقها وهدر لكرامتها .. ويدعو إلى البعد عن اجتهادات تنقصها الحجة المقنعة .. واستدل ببعض الأحاديث النبوية .. ورجح رأي مساواة دية الرجل بالمرأة لتضييع الفرصة على أعداء الإسلام على التقليل من شأنه. وفي الفصل الرابع ناقش غطاء وجه المرأة. ورد على من يقول بأن الغطاء "سيكون بوابة لكشف الشعر والصدر والنحر والذراعين (ص 37) بأمرين : يؤكد في الأول على الالتزام بالحجاب الشرعي المتمثل في تغطية شعر الرأس وأن منع السفور والابتذال يحقق معياري العقيدة والفضيلة الذي لايحققهما غطاء الوجه. وفي الثاني يرى أن الابتعاد عن المباحات خشية من جرها أموراً أخرى يعطل أمورنا الحياتية... وعزل المرأة وإلزامها بتغطية وجهها يعيق مصالح كثيرة. ويدلل على عدم عورة الوجه بالآيات والأحاديث الصحيحة وبحوث في هذا الشأن (ص 38 – 45). وينتقل في الفصل الخامس إلى الحديث عن تعليم الفتاة ليعطي فوارق بين معاملة المرأة قديماً وحديثاً في مجتمعنا ويشير بوضوح إلى دونية هذا التعامل إلى حد قول البعض "كرمك الله" عند ذكر اسم المرأة. وأشار إلى تقدم تعليم الفتاة في مجتمعنا. واستشهد بآيات من القرآن الكريم على أهمية تعليم الفتاة. وانتقد بعض أساليب وطرق تعليم الفتاة واقترح تبديل هذه الأساليب .. ليقرر أنه لا مناص من التفاعل المباشر مع التعليم الذي تتطلبه بعض التخصصات واقترح إدخال التربية البدنية وأنه لامناص منها. وفي الفصل السادس ينادي المؤلف بالمساواة بين الرجل والمرأة في حق الإدارة والولايه لأن طبيعة المرأة وما يعتريها من عوارض الحمل والولادة ورعاية الأسرة والتربية لا تمنع من تبوئها مناصب عالية. وأن حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" يقصد به رئاسة الدولة. وطالب المجتمع بإعادة النظر في هذه المسألة. وتناول في الفصل السابع شهادة المرأة وأعطى تخريجاً محدداً لقضية اعتبار شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، يدلل فيه على أن ما ورد في هذا الأمر لا يقلل من مكانة المرأة وشأنها مما لا تتسع المساحة لمناقشته. وفي الفصل الثامن ناقش المؤلف دواعي تكريم المرأة ومساواتها في هذا التكريم بالرجل ومنها إفساح المجال لها للعمل بالعلم الذي اكتسبته والمشاركة به في تنمية مجتمعها دون خلوة .لأن عملها في المنزل فقط لا يقوم على متكأ شرعي أو علمي حقيقي. واستشهد بمواقف في التاريخ الإسلامي. وأكد جواز سفر المرأة بدون محرم لأن السفر أصبح أكثر أمانا. وحقها في البيع والشراء وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه ما دون ذلك إغلاق لباب التيسير في الإسلام وإنكاره وإخفاء محاسنه وتنفير غير المسلمين منه.
وفي الباب التاسع الذي يمثل خلاصة القول أبان المؤلف أن الممارسات التي يراها تفصل بين الرجل والمرأة في هذا العصر أصبحت أمراً ممقوتاً لأنها تفاقم البطالة بين النساء في مجتمعنا. وعرض المؤلف خمسة مقترحات لحياة سهلة في المجتمعات الإسلامية هي: أن تعلم المرأة المؤهلة الطلاب وأن يعلم الرجل المؤهل الطالبات حين الضرورة. والجمع بين الطرفين في المؤتمرات والندوات الاجتماعات والفكرية، ومزاولة المرأة لعمل البيع والشراء ، وأن تتولى الإدارة والإشراف في المصالح العامة عندما تكون الأفضل في الموقع، وأن تقود السيارة وذلك أفضل من وجودها مع سائق غير محرم أو أجنبي. وفي الفصل الختامي شدد المؤلف على مقتضيات الإسلام الذي يجب ان يبقى دستوراً للحياة لجلب الخير وتحقيق الوسطية. وأكد على الفصل بين العادات والدين.
والمؤلف يعرف تماماً أنه يناقش موضوعاً خلافياً شديد الحساسية في مجتمعنا وقرر الولوج فيه لسببين: الأول أنه يرى أنه يحمل هماً متعلقاً بتطوير المجتمع والثاني أنه كمثقف عليه المشاركة في قضية هامة في المجتمع. وسيكون لطرحه هذا كثرة من المعارضين كما سيكون له كثرة من المؤيدين. والمؤلف أحسن البحث والتعمق في القضية مستثمراً مهاراته الأكاديمية إلا أن في الكتاب انتقائية لما يؤيد رأيه ولعل تبرير هذه الانتقائية جاء لمتطلبات العصر. وقد قال في المقدمة إنه لم يتلق أي اعتراض على ما جاء في طرحة إلا أنه عاد في ص21 ليقول لنا إن البعض أنكر عليه بعض ما جاء به حول المرأة وقد رأيت ذلك تناقضاً.
المساحة لم تتسع لمزيد من الحديث عن هذا الكتاب الذي يعتبر إجمالاً مساهمة إيجابية في قضية مهمة يتحمل مناقشتها كل المثقفين والمتخصصين لإعطاء المرأة حقها الذي أوجبته الشريعة الإسلامية.