فلاح أحسائي بسيط اسمه علي العبدالله. يغادر منزله صباحا قبل أن تستيقظ العيون، متوجها إلى حبيبته "النخلة" فيعانقها، ويتشبث بها تشبثه بالحياة، إذ تمنحه كل ما لديها من ثمار الشمس الذهبية اللامعة، فلا يفيق إلا وهو يغتسل بعرقه تحت الشمس اللاهبة، حيث تشفق عليه النخلة لتأمره بالرحيل حتى يوم غد.

وفي زمن يعج بالشحاذين واللصوص.. اختار علي العبدالله أن يكون شريفا، ومتعففا، فلم يمد يده للناس استجداء أو نهبا، بل اعتاد أن يمدها بالعطاء. يجلس كل يوم في السوق خلف الأقفاص الخشبية التي أودعها بعض الثمار الذهبية من البلح الشهي، والتي تشهد سواعده السمراء أنه بذل أقصى ما لديه من جلد وصبر ليحصل عليها، فإذا المقابل حفنة من ريالات يجور عليها بمجادلته زبون غني أو مشتر اختار أن يبخس هذا الفلاح حقه ليباهي بـ"شطارته" في الشراء. لكن "علي" الذي علمته النخلة معنى العطاء، يبيع البلح لينفق على أسرته، ويهدي المشترين هو إكرامية نادرة، إنها ابتسامته السخية، أتعبته الحياة، وأشفقت عليه النخلة، فسواعده أضعفها العطاء ووهنت، لكن عزيمته لم تزل قوية صلبة، حتى جاء اليوم الذي لم يتشبث بالحياة "النخلة" بقوة كما كان يفعل، فاختطفه الموت المتربص به عن قرب، رحل علي العبدالله، يرحمه الله، إلى خالقه، بعد أن ترك لنا رمزا للتعفف والكرامة وحب العطاء، وما زالت الأقفاص الخشبية تنتظر من يملؤها بالحب ويزينها بالابتسامة، رحل كما يرحل الشرفاء، والنخلة واقفة تحت لهيب الشمس، لم تمل انتظار موعده. رحمك الله يا حاج علي، وجزاك عن الأحساء وأهلها كل خير.