نصح أحد الدعاة متابعيه في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) بالاستثمار وشراء الأسهم، وذلك لوجود ارتفاعات مستقبلية في أسعار السوق، ومصدر الداعية في نشر هذه المعلومة، رؤية في المنام، فرد عليه أحد المتابعين بالقول هل أصبحت "الاقتصاديات وإدارة الأموال تدار بالرؤيا.."؟ وبالتالي لا يعتد بالدراسات والنظريات الاقتصادية!

فكان رد الداعية للأسف الشديد، أن النبي يوسف عليه السلام صاغ اقتصاد مصر من خلال الرؤيا، فالرؤيا في نظر الشيخ تعطي من النتائج ما لا تعطيه الدراسات الاقتصادية الحديثة! ومن هنا يتضح كيفية تسويق الخرافة من خلال الدين.

فالمسلمون عموما يؤمنون بقصة النبي يوسف وتأويله للرؤى والأحلام، فيتم استغلال هذا الإيمان لترويج الخرافات والشائعات، حتى إذا شكك المرء في تأويلات مفسري الأحلام أو كشف زيفها ودجلها، قالوا عنه إنه يشكك في القرآن وفي الإسلام.

فإذا قلنا إن النبي يوسف عليه السلام هو رسول الله يوحى إليه، وتأويل الأحلام من معجزاته التي خصها الله تعالى به، قالوا إن "الأنبياء جاءوا مبشرين ومنذرين للناس، وبما أن النبوة انتهت بوفاة النبي، وكان هو الصلة بين السماء والأرض، وهذه الصلة لن تنقطع بعد وفاته، وستكون من خلال المبشرات ذات المصدر الإلهي". وبقولهم هذا أحاطوا أنفسهم بالقداسة، والويل والثبور لمن يشكك فيها!.

هم مدركون تماماً أن المبشرات تتعلق بالحالم نفسه، وليس لها علاقة بالتفسير أو التأويل، وإذا كانت المبشرات من الرؤى الصالحة، فليس هناك حاجة إلى تفسيرها من شخص آخر، فسيعلمها المرء بنفسه بل ويستطيع تحديد معناها، ولكن المفسرين تعلقوا بالمبشرات حتى يسبغوا على مهنتهم الصبغة الدينية فيصدقهم الناس.

وبطبيعة الحال، فإن للمفسرين طرقا متنوعة في التفسير تشبه تماماً طرق المنجمين والعرّافين، من خلال ربطهم للرموز بحركة النجوم والكواكب، فكذلك مفسر الأحلام فهو يقوم بتحويل رموز الحلم أو الرؤيا إلى أمور ذات أهمية ومكانة، وهي في الغالب تكون عالقة في مخيلة وذهن ووجدان المجتمع، فقد يرى الإنسان في الحلم عقربا أو ثعبانا، فتفسر هذه الرموز بأن هناك من يضمر الشر والحسد له، أو على سبيل المثال أن يرى الإنسان في المنام سقوط أحد أسنانه، فهذا يعنى موت قريب أو أحد الأصدقاء، والقصص في هذا المجال كثيرة، ولكن الشاهد في هذا الموضوع أن الأحلام تستند على مألوفات الناس وعاداتهم وتقاليدهم الموروثة، ومن شأنها أن تأتي بما يلائم تلك المألوفات والعادات، وهنا يستغل المفسر هذه المألوفات وهذه العادات حسب طبيعة كل شخص ومكانته ووضعه النفسي والاجتماعي، وبحسب عمر الشخص وبحسب المكان والزمان، وتفسير الحلم للمرأة غير تفسيره للرجل بطبيعة الحال، وعلى هذا الأساس يتنبأ المفسر بالغيب، وقد يقع ما تنبأ به لأسباب عديدة منها الإيحاء للشخص، أو وجود مؤشرات ومعطيات تدل على قرب وقوع الحدث ويمكن التنبؤ به بسهولة.

لذا فإن مفسر الأحلام يفهم هذه الأمور فهما تاما، ويكون قادرا على معرفة ما ترمز إليه الأحلام في المستقبل، فليس فيها إذن من الحقيقية الموضوعية نصيب، وليس فيها أيضاً ما يدعيه المفسرون من وجود ملكات وموهبة يستطيعون من خلالها معرفة علم الغيب.

ومن صور الخرافات الأخرى، التي ابتلي بها المجتمع للأسف، خبر قيام أحد الدعاة باكتشاف علاج لمرض "كورونا"، وكحال تفسير الأحلام، فإن من يشكك في مثل هذه الأدوية يعد مشككا في "الطب النبوي"، وتشكيك في السنة النبوية من قبل أناس غير متخصصين وجهال! ومن ثمّ تشكيك في الدين نفسه، كما يحاولون الربط بين هذه الأدوية وما يسمى بـ"الطب البديل" ويسردون الأبحاث العلمية والطبية التي تثبت فعالية أدويتهم!

والمشكلة أن القائمين على هذه العلاجات ليسوا متخصصين في مجال الطب ولا في علوم الصيدلة، ولا حتى في الطب البديل، كما أنهم لم يجروا أية أبحاث علمية ومخبرية مستفيضة على أدويتهم لمعرفة فعاليتها في العلاج وتحديد آثارها الجانبية.

أما فيما يتعلق بالأحاديث الشريفة المتداولة فهي تتضمن أخبارا عن منافع وخصائص لبعض المواد الغذائية كالعسل والحبة السوداء، أو تتضمن وصفات داوى بها النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، أو دعا إلى التداوي بها، ولذلك أطلق على مجموع هذه الروايات اسم "الطب النبوي".

وهذه الأدوية في الحقيقة كان يتعالج بها العرب من قبل النبي عليه الصلاة والسلام، والرسول بشر، يلبس ما يلبسه الناس في المجتمع، ويأكل ما يأكلون، ويتعالج بما يتعالج به الناس آنذاك مثل الكي والحجامة وتناول بعض الأطعمة المفيدة لجسم الإنسان.

وفي هذا الصدد يقول ابن خلدون في تاريخه: "وكان عند العرب من هذا الطب كثير، وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره. والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء وإنما هو أمر كان عاديا للعرب. ووقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات".

إن الإسلام يرفض أن يعيش المجتمع في عالم الخرافات والأوهام، وقد حذر من الطيرة والشعوذة والسحر والتنجيم، ودعا الناس إلى العيش مع الحقيقة والواقع، ومن واجب علماء المسلمين السعي إلى حل هذه الأزمة والكارثة الفكرية، والمبادرة إلى التصحيح والتجديد الفكري والثقافي في المجتمع، فكما رأينا آنفاً كيف أصبح الناس ينساقون إلى الخرافة لحل مشكلاتهم الصحية والاقتصادية والاجتماعية.. أليس معنى ذلك أننا نعاني من فساد فكري؟