مفارقة كبرى أن تتحول سويسرا الشرق إلى دولة أشبه بمكب (...) عائم. احتدام الصراعات السياسية في لبنان سيقود دولة شبه مفككة إلى أن تصبح بؤرة صراع، هذا وارد مع الوقت بكل أسف.

التعطيل القائم بدولة وشغور منصب رأس السلطة لا يخدم في نهاية الأمر إلا أعداء لبنان، وهم كثر في الخارج والداخل. الشارع اللبناني يئس من ساسته ونظامه الملتوي على نفسه، لكن التساؤل -بعيدا عن الملف المحتدم حاليا- لمصلحة من كل ما يحدث على الساحة اللبنانية؟ حتما لمصلحة من يسعى من الأطراف اللبنانية إلى رمي البلاد في مشروع خارجي، وإلا ما تفسير سحب وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر من رئاسة الوزراء، وجه الدولة الوحيد المتبقي في لبنان؟ فيما يشبه الانقلاب وإن كان في الشكل ناعما، لكنه في المضمون له أبعاد أكثر من خطيرة.

التعطيل الذي يمارسه من يجري في فلك المقاومة المسؤول عن تعطيل انتخاب رئيس مبدئيا، هو ذاته محاولة كسر هيبة الدولة "إن وجدت" في عين مواطن سئم نظام دولته ولم يعد يقبل تياراته السياسية، ووضع هذا النظام في موقف حرج أمام الشارع اللبناني، وفي ملفات أقلها ملف (....) الذي يعتبر أساسا من أساسيات الحياة وليس رفاهية.

في السياسة، هذا يعني تفريغ الدولة من محتواها لقيادة الشارع إلى ما لا تحمد عقباه. لكن نتائج التحرك الذي يشهده الشارع اللبناني قد تكون على المستوى المتوسط إيجابية لا سيما في ملف الرئاسة والوعود التي أطلقت من قبل المتظاهرين بعدم ترك الشارع حتى انتخاب رئيس، يبدو أنها ستأتي أكلها على المدى المنظور. المشكلة في لبنان تكمن في الرمزية والهالة التي رسمت حول ساسته، على سبيل المثال، حسن نصر الله مستثنى من أي انتقاد قد يوجه لسياسي أو زعيم حزبي. خلال اليومين الماضيين هاجمت مجموعات من "زعران" نصر الله إحدى القنوات لوضعها صورة السيد ضمن صور سياسيين متهمين بالفساد في لبنان!

في الدول المتحضرة لا أحد مستثنى من الحساب بصرف النظر عن رمزيته، لكن في لبنان وفي تجربة حزب الله وسيده، الأمر مختلف تماما عن أشكال التحضر، الهالة الدينية التي ألصقت بنصر الله كانت لمواجهة مثل هذه الأزمات، ووضعه فوق القانون، وما توريطه للبنان الدولة في الحرب السورية، ورميه بآلاف الأرواح من اللبنانيين في شراك نظام دمشق المتهالك إلا لضمانه ويقينه أنه فوق القانون هو وحزبه وسياسيوه.

مشكلة لبنان تكمن في الديموقراطية المفرطة في الحياة السياسية هناك. تقول الروائية التشيلية (إيزابيل الليندي): "إن أبشع ما في الديموقراطية أنها تسمعك أصوات الحمقى".. وها هي تعلو هناك في ساحة رياض الصلح.