سيبقى يوم الأحد، الموافق 29 أغسطس 2015 (14 ذو القعدة) واحدا من أهم المحطات في تاريخ المملكة؛ ففيه ترشحت المرأة السعودية -للمرة الأولى- لتمثيل أهلها من الرجال والنساء في المجالس البلدية، بادئة بذلك فصلا جديدا في مسيرة عطائها الوطني، وبه أيضا أثبتت الدولة التزامها بالعهد الذي قطعته قبل أربع سنوات، بأن تكون هذه الانتخابات خطوة أخرى جسورة وفارقة باتجاه تمكين فئات المجتمع كافة من المشاركة في إدارة الشأن العام.

ومع أن هذه الخطوة تبدو -في تقدير البعض على الأقل- متأخرة نسبيا قياسا للتطور الذي بلغته المملكة في مختلف المجالات، فإنها تعكس طبيعة الرؤية الاستراتيجية التي تتعامل بها القيادة السعودية مع القضايا الكبرى، وهي رؤية تتسم بثلاث خصائص أساسية هي: الهدوء، والشمول، وبعد النظر. أما الأولى فشكلت باستمرار حائط حماية للدولة والمجتمع في مواجهة المطالب التي تظهر بين حين وآخر، بتغييرات فورية دون أن تأخذ في اعتبارها مخاطر ذلك على أمن الوطن ووحدته، بينما مثلت الثانية ضمانة بأن يكون الإصلاح فعلا متصلا وشاملا ومقبولا وذا ثمار ناضجة، يستفيد منها جميع المواطنين، لا مجرد ردود فعل متسرعة على مطالب موسمية طارئة.

وبالمثل كان لبعد النظر الذي يميز هذه الرؤية فوائده الكبيرة، خصوصا في مجال تفادي الاستقطابات الخطرة، والشاهد على ذلك أن مشاركة المرأة كانت قبل سنوات محل رفض واسع من قبل شرائح مجتمعية وثقافية واسعة ومؤثرة، لكنها تتم اليوم أمام الجميع وتنقلها شاشات التلفزيون وتتابعها الصحف كإنجاز للمجتمع السعودي كله، وليست تحديا لقيمه وتقاليده، كما كان يقال في السابق.

والحق أنني قد لا أضيف جديدا، إذا قلت إن الدرس الكبير في تجربة مشاركة المرأة السعودية في انتخابات البلديات، يتمثل في أن السياسة في وطننا تعمل وفق أسس متينة مدروسة وناضجة، بدليل أن القرار الخاص بهذه المشاركة -ومعه باقي ما التزمت به الحكومة مثل زيادة نسبة الأعضاء المنتخبين وتوسيع صلاحيات المجالس البلدية- صدر في عهد المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وفت به الدولة ورأيناه واقعا ملموسا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي تضمنت خطاباته للشعب السعودي وعودا جديدة بخطوات أخرى كبيرة تضمن لمجتمعنا أن يستفيد بروح العصر دون أن يتخلى عن ثوابته ومقدساته، وأولها تمسكه بشرع الله كمنهاج للحكم والحياة.

وتقديري أن المرأة السعودية مطالبة، تجاوبا مع هذا الإنجاز الكبير، بأن تستغل الفرصة فتقدم أفضل ما لديها لخدمة وطنها، فعلى صعيد الانتخابات نتمنى منها ألا تكون مجرد ضيف شرف أو صدى صوت للرجال. وعلى مستوى العمل العام نرجو منها أن تنطلق وتشارك بفاعلية أكبر في مختلف المجالات، بدلا من التركيز السائد حاليا على إشكالات هامشية ستحل مستقبلا.. بالهدوء وبعد النظر.