من ينظر إلى طبيعة الفن في عصرنا الحاضر ويقارن بينه وبين منجزاته القديمة سيجد أن هذه القيم الجمالية أخذت تواجه صعوبة كلما اتجهت إلى حاضرنا بفعل العوامل التي أسهمت في عرقلة مسيرة الفن والإبداع عبر تاريخها الطويل، وهذا يعني وجود إشكالية للتواصل بين التراث والأعمال الفنية الحداثية، واستمرار هذه الحالة قد يعرض الفن للجمود.

رواد فلسفة التحريم الأعمى الذين يمارسون هواياتهم في التضييق على الحياة العامة، غرسوا الخوف في نفوس الناس بسلطة الدين، والخوف يتبعه انعدام الثقة لدى الفرد بأن لا شيء يصلح للقيام به دون فتوى، فيما أن الإنسان الخائف يظل محاصرا في خوفه، فلا يستطيع أن يفكر أو ينتج أو يستنتج، وبذلك نجد أن هناك فجوة نفسية لدى الإنسان الذي يحول الخوف بينه وبين تعاطفه مع جماليات الحياة، ومن ثم أوجد لبعض الأشكال الفنية والجمالية قوالب محفوفة بالمحرمات، وبما أن التحريم أصبح عقيدة فقد أخذ البعض في تناول كل الأشياء بعد تمريرها وإخضاعها إلى معاييره.

يأتي الفن كأحد أساليب التأثير الجمالي والروحاني، ويأخذ له أشكالا من الاستجابة الطبيعية والفطرية لدى البشر بالرغم من ذلك، إلا إنه خضع للتصنيف وحدد المباح منه والجائز، وبما أنها تأتي كعملية متصلة ومركبة تحمل مشاعرها وانفعالاتها، فسنجد أن النظر إلى مشهد البحر قد يطلق العنان لكتابة قصيدة، ولكن يرى البعض أن التغني بها وإدخال المعازف عليها قد يفسد الناس ويصرفهم عن العمل الصالح، الأمر الذي لا يتقبله العقل؛ لأن هذه الطريقة تضع حاجزا نفسيا يفصل الاتصال الروحاني مع الجمال باختلاف ألوانه، وهنا يفقد الفن معناه ورسالته.

إن الفن قيمة جمالية ترتقي بوعي الفرد ومعرفته، وتتطلب التفكير والإنتاج والإبداع وهو أحد السلوكيات التي انتهجها الإنسان في مواجهة الحياة ليجعلها أكثر ملاءمة، بينما التكلف والتضييق الذي نعيشه اليوم ليس سوى ناتج عن كثرة الفتوى واختلاف المسائل التي لا تخدم الدين في حقيقتها، وما يفعلونه يأتي ضد التجديد الذي هو سنة الحياة في جميع جوانبها، في الحين الذي يأتي الفن فيه كأهم الجوانب التي لا تقتصر على النحو المادي من حياة الناس، إنما تطال المجال الروحي والنفسي، لذلك فالتلازم بين الألوان الفنية التراثية والحاضرة لا يتحقق إلا بوجود التجديد في أساليب الفن، وهذا يحتاج إلى عملية إبداعية تساعد في تشكيله وفق منظور المهتمين بالأدب ورؤاهم الخاصة، إضافة إلى ضرورة فرض الأنظمة التي تحقق العمل عليها بالشكل المطلوب.

هذا مع الشكر الجزيل للجهود التي تبذلها الجمعية السعودية للثقافة والفنون في تنظيمها لبرامج الدورات الخاصة بتعليم الموسيقى، من خلال سعيها إلى إعادة الفن والجمال والأمل.