محمد حسن الفيفي


ليس هناك أدل وأوضح مثالا على خطأ ممارسة الغباء من قوله تعالى: "قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون" (الشعراء 74)، فهذا النص القرآني يدعو إلى التحرر من ثقافة الوصاية، ومن كل القيود المصاحبة للعادات والتقاليد والموروث الفكري أيا كان عن طريق التبعية المطلقة التي تدعو إلى تعطيل العقل، وتدفعنا إلى التمسك بالقديم لمجرد أنه قديم، وأنه ثقافة الآباء والأجداد، وفي المقابل لا يعني ذلك التمرد أو الانسلاخ من كل إرثنا الثقافي والاجتماعي والديني والاقتصادي ورفضه بالكلية.

لكن لن يتأتى ذلك إلا عن طريق "إعمال العقل" واستنطاق التاريخ، وفق رؤية واضحة تستطيع التمييز بين نصوص الوحي القطعية الدلالة والثبوت وبين النصوص الأخرى التي لا تتفق مع روح القرآن الكريم.

وفي السنة النبوية الشريفة نستطيع التمييز بين ما هو تشريعي يتعلق بتبليغ الوحي وتفصيله، وما هو غير تشريعي يتغير مع التطور كقانون وسنة من سَنَن الله في الكون المتعلق بتنظيم أمور الدنيا، والتمييز بين تطبيقات السلف واجتهادات الأقدمين، فليس من الثوابت أن تطبيقاتهم واجتهاداتهم كلها ملزمة لمن يعيش واقعا مغايرا لواقعهم الذي عاشوا فيه واجتهدوا لأجله.

فاتباع الخلف الأعمى للسلف -مع الأسف- أوقعنا في أتون التخلف الذي اتخذه أعداء الإسلام مطية لتشويه صورة الإسلام السمحة والمعتدلة، فدين الإسلام الذي بلّغه خاتم الأنبياء والمرسلين محمد، صلى الله عليه وسلم، أتى وفق بصيرة العلم الحق من رب العالمين، فلكل دعوى برهان يقبلها العقل فقط عندما يتحرر من ظاهرة الغباء الوراثي.