منذ القدم والمجتمعات يلازمها التغير كظاهرة، وبالرغم من أن المجتمع بطبيعته متغير، إلا أنه ليس كل تغير اجتماعي يحدث بشكل تلقائي دون توجيه واع، وغالبا ما يتوجب حدوثه تمشيا مع الواقع أو تبعا لمتطلبات مستجدة، وفي هذه الحالة يمكن وصف العملية بالتقدم كما تُعرّف بالحركة الاجتماعية التي تسير نحو تحقيق الأهداف، والتي تنتهي بقيمة نفعية للمجتمع، وهذا يعني التحول في مرحلة متقدمة قيميا ومعنويا في النظام الاجتماعي، تُقابَل بالرضا وتتناسب مع المصالح العامة، وتجعل كل مرحلة أفضل من المرحلة التي تسبقها.
لا يمكن تصوير مجتمعنا على أنه طوعي بشكل مطلق أو العكس، ولكن يمكن وصفه بسهولة التشكل، هذا إذا ما وجدت الملائمات البسيطة التي تؤخذ باعتبارها وجود مخزون تراكمي جيد من المكتسبات الثقافية ذات المصادر المختلفة والأفكار المتنوعة والتي تسمح بتسييد النظم التي من شأنها تنمية الأخلاق والآداب الاجتماعية، وانتشالها مما أستطيع وصفه بالتدهور الأخلاقي الذي قد يؤدي إلى الانحطاط، وهذا يجعل أي فكرة نظامية مستحدثة متقبلة وترتقي إليها الحاجات الاجتماعية.
إن المزاج النفسي الاجتماعي قابل للتحولات، وهناك جملة من الأخلاق والمبادئ التي من الممكن أن ترسي قيم الإنسانية، وتعطي الناس حقوقهم وترفع من وعيهم تجاهها بتفعيلها نظاميا، وحينما لا تُلبي النظُم حاجات المجتمع انطلاقا من مبادئ أساسية وأخلاقية، فهي تحول بشكل لا واع دون تحضر المجتمع وارتقائه الإنساني.
بما أن العلم يجدد مبادئ الناس، وبما أن المعتقدات التي فتنت إنسان الماضي تُقابل اليوم بوصفها بالتشدد والجمود، إذ إنها لا تتعامل مع قضايا اليوم بشيء من الاهتمام، فالنظم ما لم تولد من المبادئ المتغيرة وتتحدث وتتناسب معها فهي أقرب إلى إحداث الفوضى، إذ إن المبادئ هي المحرك العميق للأمور، بينما عدم الاستناد عليها يعني إعاقة سير الحياة، فيما أن معطيات التحول في المفاهيم والرؤى التي تتبعها الاحتياجات الاجتماعية أصبحت ناجزة، فقد أخذ الحس النسبي في السيطرة الفكرية على عصرنا هذا، وشهدنا كثيرا من المشاهد المزعجة التي تحدث صداما نفسيا مستمرا كلما تجدد حدوثها على المشهد الاجتماعي، ومشاهد متكررة من الانتهاك الإنساني للمرأة والأطفال وحتى الحيوانات، وهناك شريحة كبيرة من الأفراد العاطلين الفاقدين لفاعلية الدور والهدف والمعنى، إضافة إلى قائمة طويلة من المؤجلات القابعة في انتظار التعامل النظامي.
التاريخ الاجتماعي مليء بصور كثيرة من الحضارات التي كان لها أثر وعظمة، وخسرت مجدها بفعل إفلاسها الأخلاقي وفقدان التنظيم. ومن هذا المنطلق، فلا يمكن لمعتقد أو نظم أو حياة اجتماعية الاستمرار والبقاء وفقا لاستنادها على مبادئ عديمة النفع والقيمة، لأن تقويم سلوك الإنسان يقتضي إخضاعه إلى شبكة من الضرورات تحمل قيمة النظام الذي من أهم أهدافه تنظيم حياة المجتمع، وذلك بالتلازم مع تحديث مبادئها نسبة للاحتياج النفسي والإنساني كلما لزم الأمر.