جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها صديقي من عدوي.
هكذا هي المصائب التي تدخلك وطناً ومواطناً في مزاد الدفاع والهجوم وتقذف بك في حقول المحبة والكراهية أو في مزابل الكيد والتشفي.
هكذا هو الصدى لما فعلته حادثة سقوط رافعة الحرم المكي الشريف وما نتج عنها من سقوط الشهداء والجرحى في أشرف زمان وأطهر مكان، حيث جاءت هذه الحادثة العرضية ليتواتر وبشكل متتابع تفجر دمامل الأضغان والأحقاد على هذا الوطن.
إنها رافعة ضمن غابة من الرافعات التي تحيط بالحرم المكي في جهد بنيوي وتعميري لا يكل ولا يتوقف ومع استمرار البناء إلا أن تدفق المعتمرين والحجيج والزائرين متواصل بانسيابية وراحة وإتقان.
ورغم استمرار ورشة البناء العملاقة في الحرم المكي ـ توسعةً وتيسيراـ ومنذ سنوات عدة إلا أن هذه الآلية الديناميكية لم تشهد أي خلل أو حادث رغم تعدد الرافعات ورغم تدفق المعتمرين طوال أيام السنة.
لكن مع تحولات الطقس الكبرى التي مرت بمكة خلال الأيام الماضية وبشكل مفاجئ وغير مسبوق حيث توالت العواصف والأمطار وشدة الرياح وبصورة قياسية أدت إلى سقوط الرافعة الكبرى على جزء من المسعى والحرم المكي.
علما بأن المسجد الحرام محاط بـ15 رافعة ضخمة وحتى مع كون سقوط الرافعة حدثا واردا إلا أنها سقطت في محيط منطقة يتواجد فيها 800 ألف شخص، وبالتالي فإن من البدهي والطبيعي أن يكون لمثل هذه المشروعات العملاقة أخطاؤها وثغراتها، وهذا هو ما دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ يحفظه الله ـ لزيارة موقع الحادث وتفقده ثم حرصه على إعادة التأهيل والتحقيق في أسباب ما حدث والوعد بإعلان النتائج، ثم تأكيده أخيرا على أن الدولة ماضية في خدمة الحرمين الشريفين، ثم تأكيده على تشرف ملك البلاد بكونه خادما لهما.
هكذا هو الملك وهكذا هي المملكة وهكذا هم أهلها يمضون في نهجهم المستمر في الإعمار والتنمية دون الالتفات إلى حفلات الردح والشماتة والكيد والتشفي.
يكفي من حادثة سقوط الرافعة أن زادت معلوماتنا حول التاريخ المشابه لوقوعات وحوادث مماثلة وسقوط روافع وانهيارات في أميركا وإنجلترا وألمانيا وفيتنام وغيرها.
وإذا كانت إصلاحات الحرم المكي تتم في ظل استمرار تدفق الناس في المواسم الدينية فإن كارثة الرافعة تظل حالة نادرة بالنظر إلى حجم الرافعات الكبير والحجم البشري الكثيف ونظرا لكون العمل المستمر في المسجد الحرام يحدث منذ سنوات ولم نشهد خلالها أي حادث رغم حجم العمل الكبير قياسا بالكثافة البشرية التي لا تنقطع عن ذلك المحيط المحدود.
لكنها العدوانية تجاه هذه البلاد وأهلها ومنجزاتها وهذا هو عين الاستهداف والاستقصاد والاستغلال الدنيء لهكذا حادثة نادرة ومسببة إلا أنه الاستثمار المتعمد من جحافل المعادين لهذه البلاد وأهلها الساعين لإحداث البلبلة والفتن.