شن المرشد الإيراني علي خامنئي في استقبال شعبي، هجوما خطابيا على الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، واصفا أميركا كالعادة بالشيطان الأكبر، وأنه لن يسمح للأميركيين بالتحاور مع بلاده في قضايا أخرى بعد الاتفاق النووي، كما رد على التصريحات الإسرائيلية القائلة بعدم التخوف من إيران خلال الـ25 سنة المقبلة بالقول بزوال إسرائيل نفسها خلال هذه الفترة.
هذا إضافة إلى دفاع المرشد المستميت عن الانتخابات الإيرانية، والتي وصفت بالانتخابات الصورية والشكلية، وذلك بالقول بأن أميركا لم تنتقد الأنظمة الدكتاتورية والشمولية بالمنطقة بالرغم من الانتخابات الحقيقية والشعبية في إيران، حسب زعم المرشد خامنئي!
والتصريحات السابقة للمرشد الإيراني في الحقيقة ليست موجهة إلى أميركا أو إسرائيل، وإنما كإبرة تخدير للشعب الإيراني، خاصة بعد الاتفاق النووي، وذلك من أجل حفظ مكانة رجال الدين في قلوب الناس وحفظ الامتيازات السياسية التي اكتسبتها من خلال الضرب على وتر الدين والمقدسات والتهويل من الغرب وأفكاره الشيطانية.
فلطالما اتخذت الحكومة الإيرانية من سياساتها الخارجية غطاء على مشكلاتها الداخلية؛ فبعد الثورة على شاه إيران ومسك زمام السلطة من قبل رجال الدين، كانت هناك مبررات للوقوف ضد الفساد والتدهور المعيشي والاقتصادي للشعب الإيراني، وبعد زوال السبب الرئيسي للثورة بدأت الحكومة الإيرانية باختراع مسببات أخرى تبرر وجودها، مثل الحرب مع أميركا وإسرائيل والتحرّش بدول الجوار في المنطقة.
فالحكومة الدينية في إيران تتحرك بعيدا عن مصلحة الناس بما يحفظ لها ديمومتها فهي تسعى دوما إلى إشعال نار الحروب والقتال، وخلق أعداء وهميين في عملية تمويه واسعة والتفاف على الدين، فكما رأينا حرب إيران مع العراق وإدامتها لعدة سنوات؛ وذلك لأن القرآن الكريم يقول (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)، بغض النظر عن مصلحة الشعب الإيراني، وها هم اليوم يشعلون الحروب في العراق وسورية ولبنان واليمن، واختلاق الحرب مع أميركا وإسرائيل، وذلك باسم الدين لأجل تخدير الشعب الإيراني.
لقد عانى الشعب الإيراني من الظلم والاستبداد في ظل حكومة رجال الدين أكثر مما عاناه في عصر الشاه، وبعد التدهور الاقتصادي لإيران بسبب الحصار الدولي لها، اكتشف الناس قصور أدوات السلطة في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ورأوا الصراع السياسي والفكري بين رجال الدين.
كما كشفت دائرة الإحصاء في إيران عن حقائق مرعبة تتمثل في زيادة الجريمة والجنوح والتفكك الأسري والانحطاط الأخلاقي بنسب عالية جدا، فإيران تحتل المرتبة الرابعة عالميا في معدلات الطلاق، والقتل والجريمة تزداد بنسبة 20% سنويا، وبلغ عدد العاطلين (مليوني عاطل عن العمل)، وأما عن قمع المخالفين وسحق حقوق الإنسان وتصدير الإرهاب إلى العالم فلا تحتاج إلى بيان، والثورة الخضراء خير دليل على ذلك.
لا شك أن الحكومة الإيرانية هي حكومة أيديولوجية، وعليه فإنها تملك قراءة واحدة ورؤية واحدة للعالم والإنسان والمجتمع، والناس في إيران مكلفون بقبول هذه الرؤية الواحدة، وتوصد الأبواب أمام الآراء المختلفة، ولا تكون مشروعية السلطة السياسية مقتبسة من إرادة الناس، بل يعتبرونه حقا إلهيا لفئة من الناس متمثلة في رجال الدين.
وأما بخصوص ما يتشدق به النظام الإيراني بوجود انتخابات حقيقية وشعبية، فإن نظرية "ولاية الفقيه" تكذب هذا الافتراء، فمقولة الحق الإلهي لا تعترف بأي حق سياسي في الاختيار أو الانتخاب، فسلطة الفقيه مستمدة من سلطة الله تعالى، واختيار الفقيه لا يعني اختيار الناس له أو توكيله في تولي السلطة فهو معين من قبل الله سلفا!
فإيران تعاني استبدادا سياسيا واضحا، وهذا ما يؤكده القانون الأساسي لإيران، حيث جاء في المادة (110) فيما يتعلق بصلاحيات الولي الفقيه ما يلي:
• تعيين فقهاء مجلس المحافظة على الدستور.
• التوقيع على نتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية بعد انتخابات الشعب -صلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث توفر الشروط المعينة في هذا الدستور فيهم- ويجب أن تحظى بتأييد مجلس المحافظة على الدستور، قبل الانتخابات وفي الدورة الأولى بتأييد القيادة. ومما سبق، يتضح أن القائد هو الذي يعين فقهاء مجلس المحافظة على الدستور، ومن مسؤوليات هؤلاء الفقهاء الإشراف على انتخاب مجلس الخبراء، وبالتالي فإن هؤلاء الفقهاء لا يسمحون بترشيح من يعارض ولاية الفقيه أو يتقاطع مع مصالح القائد، وهكذا الحال مع رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي، حيث يشرف فقهاء مجلس صيانة الدستور على انتخابهم بعد التأكد من توفر الشروط اللازمة فيهم والمتمثلة في الاعتقاد التام بولاية الفقيه.
وولاية الفقيه هي في الحقيقة نوع من الولاية على السفهاء أو الأطفال، وليست كما يدعيه النظام الإيراني بالنيابة عن الأمة أو عن الإمام المعصوم، وفي هذا الصدد يقول الخميني ما نصه "ولاية الفقيه أمر اعتباري جعله الشارع كما يعتبر الشرع منا قيّما على الصغار، فالقيّم على شعب بأسره لا تختلف مهمته عن القيم على الصغار إلا من الناحية الكمية"!.
لقد دفع الشعب الإيراني ثمن حقوقه وحريته ورفاهيته لأفكار ساذجة، منها القوة النووية، ومحاربة أميركا وإسرائيل، ومساعدة المستضعفين في الأرض، وما دروا بأنهم هم المستضعفون في الحقيقة، وما هذه الأمور ما هي إلا لإشغالهم عن مشكلاتهم الداخلية الأساسية التي عجزت الحكومة عن حلها بسبب أطماع أصحاب السلطة أنفسهم.
بعد الاتفاق النووي، تساءل الناس في إيران عن الفرق بين الحكومة العلمانية والحكومة الدينية؟ فأصبحت الحكومة في مأزق سياسي، خاصة أن النظام يعاني انقساما سياسيا ودينيا يعد مؤشرا على زوال نظرية ولاية الفقيه، وما تصريحات المرشد إلا للاستهلاك الشعبي واستغلال العواطف الدينية للناس، والاتفاق النووي ما هو إلا نتيجة ضعف النظام وتهافت النظرية، وليس من المستبعد أن تقيم إيران علاقات مع إسرائيل في سبيل الحفاظ على هذه الحكومة من قبيل "الضرورات تبيح المحظورات"!