قلّ أن تجد باحثا أنصف القضية التي يبحث فيها، وتجرد من أهوائه الشخصية وأحكامه المسبقة؛ ليدرس الموضوع بتجرد تام، تاركا للمعطيات البحثية فرصة الكشف عن جوهر الظاهرة سلبا وإيجابا بعيدا عن توجيه مسارها في انحناءات مقصودة، ومثلا على البحوث الموجهة عمدا، التاريخية والاجتماعية التي تستهدف دراسة سلوك الإنسان وطقوسه في مرحلة معينة، أو دراسة بعض الحركات الفكرية أو الإسلامية التي تنشط في فترات وتترك لها أتباعا ربما ليسوا بالكثرة بحيث يكونوا الند لحركات أخرى مماثلة، تدعمها سلطة معينة فتفرض هيمنة تساعدها في التمدد وكسب المؤيدين، وليس شرطا أن تكون قوتها في سلامة نهجها، بل هناك حركات ظهرت وكانت قوتها في بطشها بالناس.
وعلى الرغم مما نتج عن هذه الأبحاث من خلافات واختلافات، إلا أن البعض ما زال يلجأ إليها كوسيلة سريعة للبروز، خاصة إذا كان يفتقر إلى المؤهلات التي تساعده على تبني أفكار خلاقة تساعد المجتمع على التغلب على مشكلاته، خاصة ما يتعلق منها بالتعصب للرأي الواحد، والإيغال في نبش الماضي، مستذكرا أمجاد فئة عن أخرى ومغاليا في حشد نقاط الاختلاف؛ ليصدر منها أحكاما جائرة تقصي المختلفين، وتحملهم أوزار ما حصل للأمة من هزائم وانكسارات، كان غياب الحريات وهيمنة السلطة السبب الأقوى في نشوئها، وإلى ما آلت إليه من دمار وخراب.
وإذا كان الاتفاق على أن هذه الأبحاث والدراسات من عوامل الهدم والفرقة، فلماذا يصر البعض على طرحها إعلاميا؟ وإن كان الهدف نزيها وبعيدا عما قد نظن، أليس من الحكمة أن نبادر قبل أن يتطور الأمر إلى توضيح الهدف وتصحيح المفاهيم مظهرين حسن النية؟ لأن الكاتب أو الباحث قد يرمي بالكلمة دون أن يدرك أنها أقوى نفوذا من السهم الذي ينغرس في الجسد ليهمد، أما نار الكلمة فتظل مستعرة تشتعل في كل لحظة، بل وتزيد لهيبا كلما هبت رياح الغضب والاستياء ممن يعون جيدا أنهم المقصودون دون غيرهم بهذه الأبحاث وحصيلتها من النتائج والتوصيات التي يعززها الباحث بالمطالبة بالأخذ بها كمصدر صحيح للحكم على نهج الجماعات وتوجهاتهم العقدية.