في كتابه الأخيرes journalistes et leur public : malentendu ou paranoïa croisée، يحاول جان ماري شارون الباحث في مجال الإعلام والصحافة، استكشاف العلاقة بين الصحفيين وجمهورهم: المظهر الأساسي للفضاء العام المعاصر، ورمزية انعدام الثقة في المجتمع.

أي شخص شارك في المناقشات المتعددة حول وسائل الإعلام يعلم مدى العنف العاطفي الذي يثير الجمهور بمختلف فئاته الطبقية والعمرية "الشعبية، المثقفة، صغارا وكبارا، وغير ذلك..."، ضد نظام المعلومات.

يتم تعريف هذا السخط خلال سلسلة من الدراسات الاستقصائية التي، منذ عام 1987، يقصد بها الوصول إلى الثقة المعطاة لهؤلاء الذين ينتجون المعلومات.

تم إدانة الصحفيين بأخطاء كثيرة، منها: الخوض في مواضيع بعيدة عن هموم الناس، الإضرار بالأفراد عبر التنقيب في حياتهم الخاصة، إعداد المواد الصحفية بسرعة دون أخذ الوقت الكافي لمراجعتها، الخلط بين الحقائق والتعليقات، إضافة إلى عرض تسلسل هرمي للمعلومات دون ربط منطقي مع أهمية الموضوع.

يرى شارون أن سوء الفهم يكمن في خيبة الأمل التي تصيب الجمهور بعد انحسار توقعاتهم، إذ يريد هذا الأخير معلومات موثوقة ونوعية، معلومات "عيب صفر" أي خالية من الأكاذيب والنقائص: يتوقع الجمهور أن تنتج وسائل الإعلام معرفة ذات مغزى وهدف، بينما يعتقد الصحفيون أن ظروف عملهم، "على سبيل المثال: حالات الطوارئ، الموارد المادية، والعطاءات التنافسية"، تحد بشدة من هذا الطموح.

بالتأكيد، هناك أفكار عدة لتحسين مستوى المعلومات المطروحة في وسائل الإعلام المختلفة. في أعقاب قرار أخلاقيات الصحفيين المعتمد عام 1993 من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، ثم اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان عام 1995، وأخيرا المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1999، زادت التوصيات والمطالب فيما يتعلق بهذا الأمر.

أولا: ضمان مستوى عال من التدريب للصحفيين، وتأسيس كليات لعلوم الصحافة تعتمد على هذه الحجة.

الاقتراح الثاني: وضع مدونة لقواعد السلوك التي من شأنها تحديد أفضل الممارسات الصحفية.

في الواقع، تم تأطير المهنة منذ فترة طويلة عبر مواثيق عدة، خاصة ميثاق ميونيخ، ومجموعة من النصوص المعتمدة لدى المحررين والمؤسسات الصحفية.

اقتراح ثالث يعنى بإنشاء مجلس للصحافة، لإدانة أو معاقبة الانتهاكات، وطرح نظام عمل متطور للعمل الصحفي غير أن هذا الاقتراح خضع منذ قرون لإغراء شديد القسوة من السلطة المركزية، ما أدى إلى مضاعفة الريبة وانعدام الثقة تجاه الصحفيين.

فيما يختص بمسؤولية الصحفيين، يستحضر المؤلف البيئة التي تحافظ على عجزها وعيوبها في الهيكل التنظيمي، والتقنية، أو المنطق الاقتصادي.

تحدث شارون عن استطلاع للصحفيين في المجال الاقتصادي والمالي: 52.4? منهم أجابوا أنهم لا يهتمون بمصادرهم، 40.8? لا يتحققون دائما من الأرقام، 46.8? لا يعرفون كيفية قراءة حسابات الشركة.. إلخ، وجميع هذه الجوانب تسمى: "إنكار المسؤولية".

هذا الكتاب يشحذ الجوع لمعرفة مزيد حول موضوع آخر يتناول بعض الشيء: الجمهور، وتحديدا أسباب سوء الفهم لدى الجمهور، سلوكياتهم، سخطهم عندما يأتي الحديث عن وسائل الإعلام، هذا الاستياء الصاخب فيما يتعلق بنظام المعلومات هو شيء غامض ومتطرف، ويزيد الغموض عندما يدرك المرء أنه يتشاطر مع كثير من الصحفيين في تغذيته. في الواقع، يعيش الإنسان المعاصر في عهد الوفرة المعلوماتية: إذ تنشر الشبكات الرقمية محتوى غير متجانس وذا مستوى عال من الجودة، الآراء متنوعة والمواقع الصحفية تزداد كما ونوعا يوما بعد آخر. إذن لماذا الجمهور غاضب؟ كيف يمكن تفسير هذه الراديكالية في انعدام الثقة في وسائل الإعلام؟ لماذا هذه العشوائية المتطرفة تجاه جميع وسائل الإعلام دون تمييز وتحديد الأفضل، أو حتى تقديم نقد بناء؟

نحن نعيش الثورة الرقمية دون أن يلاحظها أحد تقريبا، وربما لم يصل عطرها إلينا حتى الآن، فلا يزال الصوت الرسمي تحكمه السياسة، والإعلام السمعي والبصري متأخرا وبعيدا عن اهتمامات الجمهور، ومع ذلك يجب أن ننظر في أسباب المظاهرات العاطفية: تبدو الإساءة اللفظية ضد نظام المعلومات تقييم مؤسف لـ"نوعية" المحتوى. تشجع هذه المواجهة المشاهد على التقييم بالمقارنة مع الآخرين، مقارنة وسائل الإعلام مع بعضها بعضا وتخيل البديل الجيد، البديل الذي يجبره الجمهور على اتخاذ موقف بشأن القضايا أو الأحداث البائسة.

إن العيش على إيقاع النظام الإيكولوجي الإعلامي يحمل بعدا عنيفا على الحالة المزاجية والنفسية، وتكرار بعض الصور في وسائل الإعلام يوعز بالاستياء الداخلي، ومعظم البحوث في وسائل الإعلام تتغاضى أو تتجاهل هذا البعد. في حين ترى Monique Dagnaud، المحاضرة في كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية ومعهد الدراسات السياسية في باريس، أنه: منذ خمسين عاما، توظف الأبحاث في تحليل ممارسات المشاهد النشطة، لإثبات أن التلقي ينتج معنى. لكن لم يحاول أي باحث سبر غور عاطفة الجمهور، والنقد المتحمس، الذي يستولي على الأفراد عندما يدعون إلى التعبير العلني في "وسائل الإعلام" عن قضية ما. بين الصحفيين وجمهورهم، ربما ستجد مشاعر أكثر تعقيدا تراوح بين سوء الفهم وجنون العظمة.