هذا المقال ليس نتيجة جهد علاقات عامة من أي جهة، إنما جاء نتيجة ما أسمعه وأقرأه، ونتيجة اتصالات بعض المقربين والأصدقاء بي للاستشارة في الضوابط التي أعلنت وزارة التعليم أن أمر الملك سينطبق على من تنطبق عليه الضوابط، الأمر الذي أزعج كثيرين، وأنا منهم للوهلة الأولى، ولكن بعد التروي والتعمق في الأمر وجدت أن مثل هذا الشرط مهم، ولهذا أرجو عدم التعجل في الحكم على هذه النصيحة وقراءتها بهدوء وروية وإعمال الحكمة. فالضوابط التي تعنيها الوزارة مهمة.. لماذا؟
الابتعاث مربوط بضوابط مثله مثل أي تنظيم، ولهذا وجدت بعض الذين يتصلون بي يشكون أن أبناءهم أو بناتهم مثلاً في تخصصات غير مطلوبة أو في جامعات ذات مستويات غير مرغوب فيها، أو في معاهد ضعيفة أو متكدسة. وزارة التعليم وضعت إشارات حمراء أمام بعض المعاهد والتخصصات في بعض الجامعات التي هي رائدة لكنها متكدسة. كما وضعت قوائم للمعاهد والجامعات والتخصصات المقبولة، ثم يأتي بعض الطلاب والطالبات الذين يخالفون هذه الضوابط فيدرسون في تخصصات ليست على القوائم المطلوبة أو في معاهد أو أقسام فيها تكدس، وهذا مخالف للضوابط ولهذا أنصح أبناءنا المبتعثين وأولياء أمورهم ألا يجادلوا الوزارة ويضيعوا وقتهم ووقت أبنائهم في مراجعات لا طائل منها. أحدهم قال لي صرفت 30 ألف دولار في التخصص الذي يدرس فيه ابني وطلب مني مساعدته في البقاء في التخصص فأجبته أن بإمكاني فقط إسداء النصيحة التالية الثمينة لك ولأمثالك من أولياء الأمور والطلاب والطالبات بأن ما درسه ابنك في ذلك التخصص لن يضيع، وهو أثرى من معلوماته بشكل أو بآخر وعليك فورا انتزاعه من ذلك التخصص وإلحاقه بأحد التخصصات القريبة من تخصصه والموجودة في قوائم الوزارة، وأكدت له أن ذلك أسلم وأسرع وأريح له وللوزارة وضمه للبعثة في أسرع وقت بدلا من التمادي في الخطأ وضياع الوقت في جدال مع الوزارة وإصرار على مخالفة النظام والضوابط. اقتنع بالنصيحة وشكرها وهذا ما يدفعني لكتابة هذا المقال له ولأمثاله، بألا تجادلوا في فتح الباب الموصد لأن عن اليمين والشمال عشرات الأبواب السهلة المفتوحة، ومن عدم الحكمة الإصرار والوقوف طويلا عند باب موصد.
بعض الأمور الصغيرة التي يمكن حلها بسهولة نضخمها ونبالغ في سلبياتها ونصر على تفصيل حلها بشكل غير منطقي ولا نظامي ثم نكثر الشكوى والعويل بأن الظلم والحيف قد حلّا بنا. أنا ممن لم يستسيغوا تغريدة الوزير المتعلقة بالضوابط بُعَيْد أمر الملك، لكنني وللأمانة وبعد معرفة وجود أعداد من الطلاب في تخصصات ومعاهد وجامعات ليست على قوائم الوزارة أو بها تكدس؛ غيرت وجهة نظري تجاه التغريدة، وأودّ أن أقول حتى وإن كانت هناك بعض الخسائر المادية أو التأخر قليلا في التخرج فإن الأمر في النهاية لصالح الطالب وصالح الوطن. فما الفائدة من تخرج الطالب أو الطالبة في تخصص غير مقبول لا يحقق له الوظيفة ولا يفيد الوطن. قد يقول قائل أنا أعرف أن هذا التخصص مقبول وجيد، والرد على ذلك أنك تعتمد في القرار على ظنك بينما الوزارة يُظن أنها تعتمد على معلومات موثقة في وضع قوائم التخصصات والأقسام والجامعات والمعاهد. وهي في النهاية تأخذ في الاعتبار مصلحة الطالب بإلحاقه بالوظيفة فور تخرجه، وكذلك مصلحة الوطن في اختيار التخصص الذي يفيد سوق العمل. لا أظن أحدا منا يرغب في أن يقال لابنه أو بنته بعد التخرج وعندما يذهبان للوزارة لمعادلة شهادته أو شهادتها، أن يُقال لهما: لا يمكن معادلة الشهادة لأن الجامعة أو التخصص ليس على القائمة..! وهذا ما حدث في الماضي وقد وقفت على بعض الأمثلة التي تعب بعض الأبناء أو البنات وتغربوا وأمضوا سنوات من الجهد والتعب وفي النهاية لم تعادل لهم الشهادة.
الرجوع للحق خير من التمادي في الباطل، وأؤكد لأبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات وأولياء أمورهم أنه ليست لكل سؤال إجابة واحدة صحيحة فقط، وأن التشنج والتمادي في الخطأ لا يفيدان ولا يحلان المشكلة بل يفاقمانها، وأؤكد أيضا لهم أنه إذا كان أحد الأبناء أو البنات يدرسون في تخصص معين غير مقبول أو في جامعة غير مقبولة فبإمكانهم الانتقال إلى تخصص قريب منه في قسم وجامعة على قوائم الوزارة، وغالبا ما يحسب لهم بعض أو معظم المواد وفي حالات قد تحسب لهم كل المواد.. فلماذا الإصرار؟ أما ما يخص المعاهد فأمرها أسهل، والقضية التي أعرفها جيدا وهي أن مشكلة بعض الأبناء والبنات أنهم لا يريدون تغيير المكان لأهداف عديدة، وقد يكونون محقين لأن الارتياح للمكان والزملاء والأقران مهم جدا، لكن أحيانا تحكم الظروف.
خلاصة القول أنا أقدم نصيحة بعدم ضياع الوقت في جدال لا يفيد بالإصرار على الانضمام للبعثة في ظل وجود مخالفات تتعلق بالمعهد أو التخصص أو القسم أو الجامعة. فالأجدى والأسهل سرعة تصحيح الوضع حتى لو كان هناك بعض الخسائر المادية أو فقدان بعض ساعات وكورسات الدراسة، فما درسه الطالب أو الطالبة ولم يحسب لهما للتخرج سيفيدهما بشكل أو بآخر. وأظن أن هذه النصيحة ثمينة جدا إذا ما نظرنا إليها بعقل وحكمة وروية. وفق الله خادم الحرمين الشريفين على كل ما يقدمه للوطن، ووفقنا جميعا وأبناءنا وبناتنا وحفظ وطننا من كل مكروه.