في العلوم الفيزيائية والفلسفية، هناك نظرية تقول: إنه لو كل فراشة في العالم حركت أجنحتها في نفس اللحظة مع الفراشات الأخريات، فإن عاصفة ستضرب المحيطات والبحار، ليفيض ماؤها على المدن وتغرقها.

النظرية مجازية الوصف، ويقصد بها أن الجزيئيات الصغيرة التي لا تؤثر على النظام العام لأي شكل من أشكال الحياة، إن تحركت سويا فإنها ستعيد تشكيل هذا النظام الحياتي المتحرك بشكل شاذ يؤثر على حقيقته ونظامه الطبيعي.

هذه النظرية تدعى "أثر الفراشة"، وهي النظرية التي عاشها السعوديون طوال فترة الحج والعيد بسبب السعار في نشر أي شيء دون التحقق من مصداقيته، كل سعودي عليه أن يرسل ما وصله، في دورة مهولة من المعلومات المتدفقة دون أن يكون هناك أي وعي لما يمكن أن تؤثر تلك المعلومات المغلوطة –في حال تراكمها- على وحدة الجبهة السعودية الداخلية.

لا بد أن تكون هناك مجموعة من الوصايا لبناء ثقافة تلقي وبث المعلومة، أو دعنا نقول مجموعة من المعادلات الحسابية البسيطة كالتالي: 1 خبر مغلوط + نشر= حقيقة ظنية مؤذية. 2: خبر غير مؤكد + نشر = حقيقة مشبوهة. وما بين الخبرين، عليك التحلي بالذكاء العاطفي تجاه وطنك، لتدرك ماذا يعني عدو يريد أن يجعل مكة تحت وصاية الدول الإسلامية؟! في نزعة تفكيكية خطيرة في الجزء الغربي من مملكتنا. وهو ما ينقلنا إلى الجزء الثاني من المقال، وهو الجبهة الخارجية.

كان بعضنا -دون أن يعي- أداة لصالح عدونا الخارجي، لأننا ابتدعنا مناخات مشحونة بالمعلومات التي أرادنا العدو أن نبثها في وعينا، لننسى في خضم الزحام أننا في حرب حقيقية معه على الحدود الجنوبية. ولأن الحرب وأدواتها لا يمكن التنبؤ بها، فقد كان الحج إحدى أدواتهم في محاولة زعزعة الجبهة الداخلية، وهذا ما فعلته إيران، إذ أشارت التحقيقات إلى افتعال إيراني لحادثة التدافع، كما أنها استثمرت موتاها التي لم تأسف عليهم، وكانت مادة خام لصناعة سيناريو إيراني عن فشل موسم الحج، الشعيرة التي اعتدنا تنظيمها بنجاح على مدار 73 مليون حاج في السنوات الماضية، إذ نجحت الحكومات السعودية المتعاقبة في تنظيم حج ناجح كل عام، ليتبقى تنظيم عقول الحجاج.

أعتقد أن علينا تغيير قواعد اللعبة فيما يتعلق بالجبهة الخارجية، سواء على مستوى العدو أو على مستوى الصديق.

علينا توقيع عقود مع شركات علاقات عامة عالمية لإدارة الأزمات في وسائل الإعلام العالمية، تلك الشركات التي اعتادت تناول قضايا دولية معقدة، بإمكانها أن تشرح ماذا يعني تنظيم أكبر تجمع بشري في مكان وزمان واحد.

هناك كثير من الأرقام الجذابة خلف موسم الحج، إلا أن وسائل الإعلام المحلية لن تقدمها بشكل جذاب بسبب اعتياد القارئ المحلي عليها، إلا أنها أرقام صادمة بالنسبة إلى من يعيش خارج إقليمنا.

لذلك، وعلى سبيل المثال، برنامج وثائقي على قناة "ناشيونال جيوغرافيك"، أو قصة مصورة عبر وكالة الصحافة الفرنسية، مع تراكم خطط العلاقات العامة هنا وهناك، سيصبح الصوت الإيراني رجع الصدى، متحدثين مع أنفسهم فقط، ومع أحزابهم التي تنتمي إلى أجندتهم الشرق أوسطية، وفي مقدمتها حزب الله والحوثيون.