أذكر أنني في كل مرة أستمع لأدعية مشايخنا أشعر بالخوف من الدعوات حين تصل إلى نقطة الدعاء بهلاك غير المسلمين. يبدأ الإمام بالبكاء، بل يجهش بالبكاء، ويبدأ في دعوات الهلاك لغير المسلمين، والدعوة للمسلمين فقط. وكثيرا ما ساءني النحيب في لحظات الصفاء الروحي والجسدي والنفسي ومناجاة الله.

كنت أشعر بالخوف والهلع والجزع من مشاهد التشدد والعويل والنياح. وإن كنت أرى أن المؤمن حين يناجي ربه يجب ألا يشعر إلا بالسكينة والهدوء والسلام. فلماذا هذا البكاء والنحيب والعويل وبحرقة في اللحظات النقية والتقية. لحظات القرب من خالق هذا الكون.. الرحمن الرحيم الرؤوف. لأكرر سؤالي: لماذا ينتحبون ويجهشون بالبكاء..؟

يحرص كثير من المشايخ والأئمة في المساجد والجوامع على الدعاء للإنسان المسلم دونا عن أخيه الإنسان في هذه الأرض، ذلك الإنسان الذي نتقاسم معه في هموم واحدة، همّ الجوع والفقر وقلة ذات اليد والبحث عن الأمن في المسكن والملبس والأمان في الأبدان والأعراض، والأهم الأمان في الأوطان، هذه الهموم التي نتشاطر بها من شمال الأرض إلى جنوبها من غرب الأرض إلى شرقها منذ قديم الزمان حتى وقتنا الحاضر.. إنسان الفلبين وبورما وفيتنام وحتى البيرو.. هو ذاته إنسان فلسطين ومصر والعراق واليمن والسعودية.

ولا يخفى علينا أن بين بني الإنسان مشتركات لا يمكن إنكارها، وإن اختلفت الأجناس والأعراق، سواء في أميركا قائد العالم أو حتى في روسيا أو الصين، تختلف ملامحنا، تختلف لغاتنا، عقائدنا، أفكارنا، عاداتنا وتقاليدنا، لكننا نتشابه في الإنسانية، خاصة في حالات ضعفنا، وحالات يأسنا، في فرحنا وفي حزننا، في كل مشاعرنا التي تتفق على رفض الدم والصراخ والحروب، والتي تتفق أيضا في الحرص على مشاعر الحب والمودة والتآلف.

نحن في العالم الإسلامي، وفي منطقتنا تحديدا، وبرغم كثرة دعائنا وتهجدنا وصلاتنا وقيامنا الليل، وبرغم دعائنا لأنفسنا دون إخواننا في الإنسانية لكنني أرى أن حالنا -نحن المسلمين- هو الحال المؤلم، وباقي الأمم تسير في دروب الخير والإصلاح والتغيير والتطور.. لم يهلكوا.. ولم تنكسر شوكتهم وكسرت شوكتنا، ولم يتشتتوا وتشتتنا.

وفي عالمنا العربي، أهلكتنا الصراخات الأهلية سواء فكرية أو دينية أو سياسية، أهلكنا تكالب الأمم من حولنا، أهلكنا ضياع مواردنا الاقتصادية ونفادها، أهلكنا تمزق وحدتنا وتشتت كلمتنا واختلاف الرأي بيننا. هل سيأتي يوم ما ونسمع الأئمة والمشايخ الدعاة ورموز الدين يدعون "اللهم احفظ الإنسانية من كل هم ووجع.. اللهم ارشد الإنسان إلى الخير والصلاح.. اللهم فرج همّ الإنسان المهموم.. والجائع المحتاج.. وفك قيد المظلوم.. وانصر الإنسان الضعيف في كل مكان"؟ فلربما انصلح حالنا، وجاءنا الخير من حبنا الخير لأخينا الإنسان في أرض المعمورة.

لماذا لا تعبر رسائلنا عن فحوى الإسلام؟ لماذا نستخدم الرسائل المسيئة لديننا العظيم الذي ختم كل الديانات وأكملها بالحق والخير والعدل؟

صدقوني حين نصبح هكذا.. سيقف العالم جميعا احتراما لديننا الذي يدعو إلى التسامح، والذي يطبق رجال دينه وأبناؤه تعاليمه ولن يجدوا في ديننا مأخذا يهاجموننا به. ولنبدأ الآن وندعو: اللهم احفظ الإنسانية.. اللهم آمين.