لا أعتقد أننا نحتاج إلى ذلك الكمّ الهائل من النصائح التي تصدرت عناوين الصحف والقنوات، ومواقع التواصل الاجتماعي تجاه الداعشيين الجدد، بعد مأساة الشملي في حائل.

لا نحتاج إلى تلك المعلقات التي يخرج بها البعض وفيها الويل والثبور وتهديد الداعشيين بعذاب مستعر.. لا نحتاج إلى استفزاز الناس وتخويفهم كي يحذروا من الخطر القادم الذي بات يهدد أمننا، وتعاملنا، فيما هؤلاء الناس لا يعلمون من أين يأتيهم الخطر ومن أسس له!

لا نحتاج إلى ذلك؛ لأن الوضع الجاري لا يحتمل المجاملة، ولا التخفي خلف عبارات التهديد والوعيد أو كلمات المدح والتزلف. علينا أن نعترف بالمشكلة الحقيقية كي نستطيع إيجاد الحلول لها، ومشكلتنا تكمن في السؤال الذي يتردد كثيرا عمن يتحمل وزر تفشي الفكر الضال بين الشباب، سواء بقصد أو بدون قصد، وكيف نتصدى له؟ وقبل الإجابة عن السؤال، لنعترف بصراحة أكبر أننا سئمنا الخطاب المجتمعي والديني المكرر الصادر كردة فعل للأحداث المأساوية، ونضم إليه ما يغرد به الذين يتصدرون مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنها لا تصلح أبدا أن تكون لمواجهة الفكر الإرهابي والتحذير منه، ونقول لهم كيف تحذروننا من جزء من أهلنا هم منا ونحن منهم؟.. كيف يتسنى لنا من خلال نصائحكم أن نعرفهم؟ هل هناك وسم داعشي على جباههم؟.. نقول إنكم أسرفتم حد أنكم زدتم من معاناتنا.

الأكيد أنا لا نحتاج إلى نصائحكم بقدر ما نحتاج إلى إعادة صياغة أنفسنا وتفكيرنا.. نحتاج إلى تأسيس مبكر شخصي جديد لأبنائنا، نتخلى عن المؤثرات، نحاربها نجتث جذورها، نريد منع التجمعات المريبة التي تحضر باسم الدين وهي غير ذلك، المغالين في التفكير والفكر، المحرضين الموالين للغير على حساب الوطن، لنكن أكثر جرأة لأجل مجتمعنا وأبنائنا.

كل ذلك نحتاجه ونريده، ومع ذلك يبقى الأهم هو حاجتنا إلى إعادة صياغة تعليمنا الذي يصنع مستقبلين متلقين منفذين، لا مفكرين مبدعين، وهو ما سهل انقيادهم وتجنيدهم سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو التجمعات المريبة.

نحن في مفترق طرق خطير، وعلينا أن نصلح ما أفسدناه في مجتمعنا، بعد أن أصابنا هلع شديد بعد حادثة جهيمان، فمن شدة هلعنا بعدها وخوفنا من أن يخرج علينا جهيمان جديد أسسنا لانغلاق دام، أكثر من تفكيرنا السوداوي، والأكثر مأساة أنه دفع ببعض الأصوات المتشنجة لتتصدر المشهد على حساب عقول نيرة كنّا نحتاجها أكثر.

إذا كنا نريد أن نتجاوز محننا الحالية فلنبحث عن الخلل أين يكمن؟ هل هو في الآخر أم فينا نحن، في فكرنا أم في مناهجنا التعليمية وتربيتنا؟ أما التخديرات المعتادة فهي لن توقف خطر داعش ولن تُشعرنا بالأمن الداخلي.. لنؤسس لثقافة جديدة تتخلص من الخوف والتهديد والوعيد والتحذير فقط.. ثقافة عملية تعليمية تربوية، لا إنشائية دعوية.. إن فعلنا، فسنكون قد أحسنا صنعا لأجيالنا المقبلة، وكفّرنا عن بعض مآسينا تجاه أنفسنا ومن سبقونا.