بعد سنوات من الغياب، شاهدت نهايات مساء ما قبل البارحة، عبدالباري عطوان على القناة الألمانية الناطقة بالعربية في حوار ساعة عن حادثة تدافع مشعر منى. عبدالباري عطوان ليس إلا النسخة النثرية من (مدرسة المشاغبين)، وكل جملة يقولها تعود بك إلى الجملة الشهيرة: (منصور ما بيجمعش). ما زال عبدالباري عطوان يعيش في خيالات زمن منقرض، لم يخرج عبدالباري عطوان من جلباب الملياردير الليبي أحمد الهوني، مالك صحيفة العرب، وأظن أنه ما زال مؤمنا بأن معمر القذافي -مصدر تمويله- ما زال حيّا وقيد الانتظار للخروج من كهف في سرت. عبدالباري عطوان ما زال آخر ديناصورات الخطاب الثوري الستيني، يوم كان (مجلس الآباء)، آباء نضال وجهاد وزياد وكل بقية أسماء القاموس يبشرون بهذه الأمة الخالدة. مشكلة عبدالباري عطوان أنه يفتي في كل قصة وحادثة، وكل صغيرة وكبيرة تحدث في هذا البلد. هو يذكرني تماما بالراحلة الأسطورية (أم مريَّع)، يوم كانت في القرية المجاورة تقرأ (الرمل)، وتعالج المصفوق، وتتنبأ بموت (النائب)، وتحدد للرعاة ساعة الرعد والبرق، وتشرح لأهل القرية حجم ثمرة العام قبل أن يحل موسم غرس البذرة. مشكلة (أم مريَّع)، عبدالباري عطوان، معنا أنه يفتي في كل شيء. كان حديث القناة الألمانية معه محصورا في حادثة منى، لكن (أم مريع) وكعادته لم يترك أي شيء من خزعبلاته التاريخية عن صراع بيت الحكم إلى نبوءاته بانهيار الاقتصاد السعودي، ومرورا بتغذية هذا البلد للإرهاب، وبالطبع لم تنس (أم مريع) أن تعرج بجملة على فيروس كورونا مثلما لن ولم تنس موضوع مشكلة القمامة في الحج. أم مريع هذه مجرد شريط كاسيت مهترئ لا يعيد سوى نفس الأغنية. حديثه مساء البارحة عن بيت الحكم السعودي هو ذات مقاله الشهير عام 1988 عن صراع العملاق الراحل فهد بن عبدالعزيز مع إخوته وعن انهيار بيت الحكم يومها خلال بضعة أشهر. وكل ما أضافته (أم مريع) في حديثها الأخير للقناة الألمانية ليس إلا أوهامها عن قصة القمامة في موسم الحج، وهي جملة لزوم مرحلة، لأنها قصة خرجت قبل يومين من فم أبي القمامة اللبنانية حسن نصر الله. هنا عادت (أم مريع) إلى عادتها القديمة كـ(ببغاء) تردد كلمات القرى المجاورة، ولي هنا أن أعرض لكم حكايتي الشخصية مع الببغاء (أم مريع) عبدالباري عطوان. في بداية مشواري مع الكتابة اتهمت عبدالباري عطوان بأنه مجرد (ببغاء) ترديد وطبل ارتداد صوتي. فوجئت يومها بأنه جند له أكبر مكتب محاماة في البلد، ثم تلقيت من المكتب طلب حضور إلى المحكمة في الرياض، ويشهد الله بعد هذا الزمن الطويل أنني تمنيت دخول المحكمة لولا أن أمير الرياض يومها، الغالي، سلمان بن عبدالعزيز، أوقف الدعوى مستندا إلى القاعدة الشرعية "إن لم يحضر الخصمان إلى المحكمة أمام القاضي كتفا بكتف" فلن يمكن الوصول إلى عدالة الحكم. كنت أريد للقضاء العادل أن يسكتني أو تسكت للأبد: أم مريّع.