قبل الأحداث الإرهابية الأخيرة في باريس، كان القاسم المشترك بين معظم الكتابات في الغرب، يتمحور حول "خيبة الأمل" في أهم الأمنيات والوعود العظيمة لمرحلة ما بعد الحرب الباردة ونهاية الثنائية القطبية عام 1989، وهو تحقيق حلم الاتحاد الأوروبي.

عودة "الأنتي – يوتوبيا" أو "يوتوبيا – الضد" في الخطاب الثقافي والسياسي الغربي في منتصف العقد الثاني من القرن 21، بمثابة اجترار لإنتاج الشرور التي درج عليها الأوروبيون في مرحلة ما بين الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن الماضي.

إن خطر نهاية اليوتوبيا أو الحلم بالمجتمع الفاضل المثالي، أو الفردوس الأرضي، أزعج رائد علم اجتماع المعرفة، كارل مانهايم، الذي قال في كتابه "الأيديولوجيا واليوتوبيا" "إذا تخلى الإنسان عن اليوتوبيات، فإنه يضيع إرادته في صنع التاريخ، ويضيع معها قدرته على فهم التاريخ".

 


ثلاث يوتوبيات

المفاجأة التي لم يتوقعها أكثر العقول تفاؤلا في الغرب هي أنه يوجد حاليا في أوروبا، ثلاث يوتوبيات يمكن رصدها بسهولة، حيث يتم الترويج لها من قبل المناهضين للاتحاد الأوروبي بالنسبة لمستقبل ما بعد الاتحاد، وهي: يوتوبيا السوق الحرة، واليوتوبيا الخالية من المهاجرين واللاجئين، واليوتوبيا الاشتراكية، وهذه اليوتوبيات الثلاث هي نوع مقنع من أنواع "يوتوبيا الضد"، تقف وراءها أحزاب اليمين في مختلف أرجاء أوروبا حاليا.

اللافت للنظر أن هذه الأحزاب تتزايد شعبيتها باطراد، بما ينذر بعواقب وخيمة، ليس فقط في تفكك هذا الاتحاد، وإنما في معاداة التجارة الحرة والأجانب والمهاجرين والعولمة.

 


مناهضة الاتحاد


يقول الأستاذ في جامعة نيويورك، وكبير الاقتصاديين في البيت الأبيض، البروفيسور نورييل روبيني، "المفارقة هنا أن هناك أحزاب في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا فضلا عن ألمانيا، وهولندا، وفنلندا، والدنمارك، والنمسا، والسويد، أصبحت تؤيد شعبية الأحزاب اليمينية الشعبوية المناهضة للاتحاد الأوروبي والمعادية للمهاجرين في صعود متزايد".

 


ضرب العولمة

يرى روبيني أن خطر الشعبوية، يفتح أبواب الجحيم، ويطلق العنان لعواقب لا يمكن التنبؤ بها، لا سيما مع رفض اندماج المهاجرين واعتبارهم منافسا للعمالة والوظائف للأوروبيين، وتوجد في التاريخ الحديث شواهد كثيرة تؤكد هذا الخطر منها الكساد الاقتصادي الذي ضرب أوروبا في الثلاثينيات من القرن العشرين والذي قاد إلى الحرب العالمية الثانية.