أتقن ملالي إيران المثل العربي القائل: "يقتل القتيل ويمشي في جنازته"، والمعروف بتداوله في الجنوب اللبناني حيث يختبئ زعيم عصابات الممانعة. فبينما كان الحرس الثوري الإيراني منهمكا في نشر فلول الإرهاب وتدريبهم وتمويلهم لتنفيذ عملياتهم في الدول الخليجية والعراق واليمن وسورية ولبنان وقطاع غزة، كان رئيس جمهورية الملالي "حسن روحاني" يقف في الأسبوع الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليلقي كلمته محاولا تنظيف سمعة إيران من وصمة الإرهاب، ومحذرا رؤساء الدول الأخرى من مخاطر الإرهاب العالمي، ومتهما المملكة بأنها وراء حادثة تدافع الحجيج في مشعر منى.

وعلما بأن جميع التقارير العالمية تجزم بأن إيران هي البؤرة الأساسية للإرهاب في العالم منذ قيام جمهوريتها في 1979، إلا أن ملالي إيران، الذين أتقنوا أساليب مراوغة الرأي العام وقلب الحقائق، دأبوا على تمويه العالم وإبعاد شبهة انخراطهم في تقديم الملاذ الآمن للإرهابيين وتمويلهم وتدريبهم بمشاركة الحرس الثوري الإيراني.

وبالرغم من الأحكام القضائية الدولية الدامغة التي أثبتت تورط إيران خلال العقدين الماضيين بأكثر من 73 عملية إرهابية موثقة، شملت اختطاف الطائرات وتفجير المباني والسفارات، واقتراف الاغتيالات التي استهدفت أهدافا عربية وأجنبية، إلا أن ملالي إيران ما زالوا يقتلون القتيل ويمشون في جنازته. 

وبالرغم من تأكيد نتائج التحقيقات في دول الخليج العربية ضلوع إيران مرارا وتكرارا في العمليات الإرهابية، التي كان آخرها جريمة العبدلي في الكويت، إلا أن مرتزقة إيران ما زالوا مُصرّين على تنفيذ مخططهم الإرهابي في الدول الخليجية وصولا إلى اليمن، وتحت إشراف قيادات الحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب الله اللبناني.

ولعل تضخم ميزانية وزارة الدفاع الإيرانية، التي فاقت 30 مليار دولار في السنة، أكبر دليل على ضلوع ملالي إيران في الإرهاب، حيث يذهب معظمها في تمويل الجماعات الإرهابية والمقاتلين المتمردين في جميع أنحاء العالم. وتؤكد هذه الوثائق أن إيران تنفق سنويا 3.5 مليارات دولار لدعم نظام بشار، و200 مليون على حزب الله، و26 مليون دولار على الميليشيات الشيعية في سورية والعراق، و20 مليون دولار لدعم الحوثيين في اليمن، عدا عن تدريب المقاتلين الأفغان في سورية ودفع رواتبهم التي تتراوح بين 500 و1000 دولار شهريا.

ومع هذا كله ما زال إعلامنا العربي يقف عاجزا أمام تشويه صورتنا وتضليل شعوبنا، وينام مطمئنا إلى أن دول العالم على ثقة بمواقفنا وأهدافنا ومبادراتنا. ولعل انشغال نصف وطننا العربي بإطفاء فتيل الفوضى الخلاقة التي تجتاح فصولنا الأربعة، وخلود نصفنا الآخر للنوم والراحة؛ أخلت بموازين حقوقنا وأدت إلى تراجع إعلامنا العربي لقلة حيلتنا وافتقار معرفتنا، فأصبحنا لا نكترث لكل من يسيء إلى سمعتنا، ونتغيب عن مقارعة كل من يحاول تشويه مواقفنا.

وما زاد من تقهقر إعلامنا العربي امتلاؤه بأنصاف (الخبراء) الذين فشلوا في مواجهة أباطرة منتقدي سياساتنا الخارجية، ما ضاعف من حدة تشويه صورتنا وعدم توضيح مواقفنا المعتدلة أمام العالم. ولعل أفضل شاهد على ذلك قيام الرئيس الإيراني في الأمم المتحدة بتشويه الحقائق لكسب مواقف من المملكة أمام العالم أجمع، وعلى حساب تقصير إعلامنا في توضيح مواقفنا المُشرّفة.

على إعلامنا البدء فورا في كشف أكاذيب محاور الشر التي سخرت قواها القمعية وأحزابها المرتزقة في قتل وتشتيت وتهجير الشعب السوري. وعلينا إثبات فشلهم في فتح أبوابهم للاجئين السوريين، في الوقت الذي كانت المملكة وما زالت أكثر دول العالم استقبالا لهم، من خلال وجود أكثر من مليونين ونصف المليون سوري على أراضيها. كما علينا توضيح مواقف المملكة وحرصها على عدم التعامل مع السوريين كلاجئين، أو تسكينهم في معسكرات لجوء حفاظا على كرامتهم وسلامتهم، بل قامت بمنحهم الإقامة النظامية أسوة ببقية المقيمين، بكل ما يترتب على ذلك من حقوق في الرعاية الصحية المجانية والانخراط في سوق العمل والتعليم.

وما زال علينا تذكير العالم أجمع بأن المملكة فتحت مدارسها وجامعاتها للطلبة السوريين الزائرين، فاحتضنت ما يزيد على 125 ألف طالب سوري على مقاعد الدراسة المجانية، و6755 طالبا وطالبة في الجامعات السعودية، إضافة إلى زيادة قيمة مساعداتها الإنسانية للأشقاء السوريين إلى أكثر من 700 مليون دولار، طبقا لإحصائيات المؤتمر الدولي الثالث للمانحين المنعقد في دولة الكويت بتاريخ 31 مارس 2015 لدعم الوضع الإنساني في سورية.

ولتفادي التشويهات الإعلامية المحبطة والأكاذيب المؤلمة لجأت معظم دول العالم على حد سواء إلى تعزيز سياستها الخارجية بوسائل الإعلام الفضائية، فقامت باختيار أفضل خبرائها لتمثيلها في المؤتمرات الصحفية والمحافل الدولية ومقارعة خصومها على الفضائيات وفي الصحف والمجلات العالمية، وأغدقت عليهم مواردها لتنمية قدراتهم المعرفية وتدريبهم على جرأة الحوار ولباقة المداخلة وأناقة المظهر وإتقان اللغات، ليصبحوا بارعين في تفنيد المزاعم وكشف الأكاذيب وصد الإشاعات والدفاع عن المواقف. 

وحتى لا نترك الساحة الإعلامية لكل من هب ودب من ملالي إيران وفلولهم المرتزقة ليقتلوا القتيل ويمشوا في جنازته، ويستبيحوا القنوات الفضائية بأكاذيبهم والمحافل الدولية بإشاعاتهم، علينا التخلص فورا من أنصاف (الخبراء) في إعلامنا الذين فشلوا في توضيح مواقفنا والدفاع عن مصالحنا. بل علينا إطلاق مزيد من القنوات الفضائية بجميع لغات العصر، وتعزيز قدراتها وبناء طاقاتها وتوجيه إمكاناتها لمواجهة ملالي الشر وكشف أعمالهم وألاعيبهم أمام العالم أجمع.