في بحر الأسبوع الجاري قرأت أو سمعت مفردة "الهم الوطني" لمرتين: في الأولى من شخص يشكر لي الاشتغال بهذا الهم، وفي الثانية، وعلى النقيض، من آخر يرى أنني أغرد خارج هذا الهم لوطن وخارطة يعيشان في ظرف زمني ومكاني ساخن. مشكلة مصطلح مثل "الهم الوطني" أنه جملة مطاطية. الهم الوطني لدى البعض هو تعثر مشاريع الإنفاق والكباري وبقية كوكبة الخدمات العامة في حياة المواطن، ولهم كامل الحق في تصور هذا الهم، بينما يرى آخرون أن الهم الوطني يكمن في حروب الأفكار الكبرى التي تعصف بهذا المجتمع وتسرق منه جيله الصاعد الذي يتربى بعضه على تغذية بعضه الآخر في الدعوة إلى سفك الدماء وسحق الجماجم، وكل ما سبق من الاختلاف المحمود على تعريف الهم الوطني لا يهم. المهم ما يلي:
تحتاج الكتابة عن الهم الوطني إلى شيئين لا ثالث لهما، وللأسف الشديد فكل "شيء" من هذين الركنين الأساسيين لا زال فقيرا للأساس والقاعدة. الأول: إن الكتابة عن الهم الوطني تحتاج إلى ألوية من "الأنتلجنسيا" أو النخب الثقافية التي تستطيع تشخيص أمراضنا الاجتماعية والثقافية والتنموية، وهذا، ومع أسفي، ركن جوهري لم يستطع نظامنا التعليمي أن يخلقه رغم احتفالنا بالعام السبعين لتدشين أول كلية جامعية واحتفائنا أيضا بأننا ضمن الدول العشر الأول في معدل الصرف على التعليم بالقسمة على عدد السكان. الثاني: إن الكتابة عن الهم الوطني تحتاج إلى مناخ مفتوح من الحرية المسؤولة المنضبطة، ويؤسفني مرة أخرى أن أعيد لكم كتابة المعلومة القديمة التي تقول إننا الدولة التاسعة من بين كل دول الأرض في جمع المصروف على استيراد الأوراق والأحبار وأجهزة الحواسيب وآلات وآليات التواصل المجتمعي، ومع هذا يعيش القلم وتذبل الكلمة تحت الجمرة الحمراء بسبب ضغط المجتمع. وللأسف، وكم أكثرت من كتابة الأسف هذا الصباح، فنحن أسرى ضعف "الأنتلجنسيا" كخراج تلقائي لرداءة التعليم مثلما نحن ضحايا هزال الكلمة وضعفها تحت وطأة الرقيب المجتمعي الضاغط الكابت. نحن لا نكتب الكلمة الواحدة ولا نرسلها إلى هذا المجتمع إلا وقد سكبنا فوقها برميلا كاملا من الماء من أجل التلطيف والتخفيف رغم المفارقة المدهشة أننا قد صرفنا من قبل برميلا كاملا من النفط كي نؤهل المثقف الواحد أن يكتب لمجتمعه ولهموم وطنه كلمة واحدة. يؤسفني في الجملة الأخيرة أن أقول إننا ضحايا الطقس والطبيعة، نحن مع الكلمة، ومع الهم الوطني لا نشبه إلا شمسنا الحمراء على رمالنا الصفراء الساخنة. أخيرا: الكلمة الصادقة مثل الشجرة الخضراء، لا يمكن لها أن تزهر تحت مناخ اجتماعي قاتل للحرية.