انتشر مقطع مسجل على وسائل التواصل الاجتماعي يتضمن مشهدا لرجل يتحرش بخادمته، ورجح الأكثرية أن الزوجة هي من قامت بالتشهير به، ودار الجدل حول الأمر بآراء متباينة، إلا أن أكثر المغردين استنكروا فعلها، فيما أن البعض أخذ يدافع عن موقفها، ويبرره على افتراض أنه لو كان الزوج مكانها لقتلها.

هذه القضية فتحت لنا أبواب النقاش في نواح عدة، في حين أن التعامل مع الأمر جاء اختزالا لعلاقة الرجل بالمرأة في إطار محدد وأكثر سيطرة على المواقف التي تحدث في علاقات الزواج، وهو مجال الصراع القائم فيها ما بين الفعل ورد الفعل، وأعني أن أكثر الآراء لم تتعامل مع الفعل من جانب موضوعي ومجرد، وإنما تعامل مع جنس فاعله، ما يعني أن فتح المجال للصراع في العلاقة الزوجية يعد أمرا ضروريا متلازما لقيامها، لذلك جاءت أكثر الآراء انطلاقا منه.

إن الانحياز الذي تمليه الثقافة ضد النساء والمواقف المبررة بشكل دائم لإنقاذ الرجال من سقطاتهم؛ ليست سوى نتاج ثقافي عزز مواقف الرجال حتى لو ارتكبوا الأخطاء، ما تسبب في ضعف مواقف النساء ولو كنّ محقات، هذا يعني أن المنطلق في تناول الموقف جاء من هذا الدافع، والقضية تحولت بشكل غير موضوعي إلى ما غلب على الأفعال من التنافس والانتقام جراء ذلك الدافع، إذ إن الرجل يعيبه كل ما يمكن أن يكون عيبا في أفعاله، إلا إذا كان الأمر نديا أمام المرأة فالمعايير هنا تختلف.

هذه القضية بتفاصيلها المخجلة لم يكن من المفترض أن تتعدى إطار العلاقات الشخصية ويطّلع عليها عامة الناس، لأنها خاصة ومعرفة الناس عنها لا تغير شيئا، وكان بإمكان تلك السيدة أن تحتفظ بالتسجيل لإدانة زوجها إن أرادت منه حقا، تتخذ على سبيله قرارا بشأن علاقتها به، وأن يبقى الأمر في إطار شأنهما الشخصي إن أرادت إثبات ذلك لدى الجهات المعنية، وأما ما دون ذلك فلا جدوى منه.

عدم الاتزان النفسي والسلوكي يجعل الأخطاء مبررا للتعامل معها بفعل أي شيء، غير أن المجتمع الذي لا يقنن واقعه وتنظم حياته الاجتماعية بالقوانين يسهل فيه التسلط ولا تهذب فيه السلوكيات، وصاحبة هذا التصرف وضعت حسابها للاعتبارات الثقافية التي تتعامل بتعطش لمسائل التشهير والفضيحة، ووجدت أنها أكثر إيلاما وعقوبة، تمكنت من التقرير في شأنها دون أن تضع في حسبانها أنها ستتعرض للعقاب، فالمسألة وإن غلب عليها التعاطف إلا أنه يجب أن ننظر إليها من جانب حقوقي وقانوني وإنساني أيضا، فالتشهير جرأة على إطلاق حكم لا يحق لفاعله اتخاذه، ومن المفترض محاسبته، وهذا لا يعني تبرير الخطأ المقابل، إلا أن التعامل مع هذا الخطأ ليس بحاجة إلى عرضه على مشاهد الناس.