لا يستطيع الإنسان أن يعيش في عزلة، وإن قرر ذلك فلا بد له أن يتعامل مع الأشياء من حوله، وأن يبني علاقاته مع الآخرين سواء وافقوه أم خالفوه الرأي. جميع العلاقات الإنسانية تبدأ بالكلام.

فاللغة أوالمخاطبة هي التي تقرب الناس منك أو تبعدهم عنك، فبالأخذ والعطاء تجد ردة فعل بناء على فعلك.

فاللين يقابله لين، والقسوة تجد لها جدارا من الحواجز والصد، فما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه.

أسلوبك وطريقة كلامك ولغة حوارك هي الترمومتر في القبول أو الرفض، وإن كانت حجتك قوية وبراهينك ساطعة وجلية، فلا تعتمد عليها فقط، بل دعمها بأسلوب لبق حتى وإن كانت مكانتك الاجتماعية تعطيك الحق في التسلط والهيمنة، فلن تكون لك قاعدة بفرض الشيء دون الترغيب له والتحفيز لفعله بالإقناع.

أعتقد أن تهاوي بعض العلاقات سببها الأسلوب. فمثلا نحب لكن لا نعززه بالاهتمام والنصح، نتبنى فكرة لكن لا نوصلها ونجمع حولها مؤيدين بالاتصال السليم للوصول إلى الهدف وتقريب الفكرة للعقول وربطها بالحاجات.

مشكلتنا فقدان لغة التواصل الصحيحة، هذه الحلقة مفقودة في محيط بعض الأسر والمجتمعات، فالنفور والانزواء والعزلة هو ما خلّفه سوء الأسلوب وانعدام لغة التفاهم والتخاطب.

ربما يحسب البعض نفسه على حق، لأنه الأقدر والأكثر سلطة والأكبر سنا والأكثر خبرة، ربما يكون كذلك لكن بأسلوبه المنفر يعطي انطباعا سيئا عنه وعن فكرته، وبالتالي عن كل ما يؤمن به من قناعات، وما يعتقده من مسلمات، فلو سلك طريقا لطيفا وأسلوبا رزينا ومتزنا وهادئا، ربما يكسب من حوله ليس لأنهم مقتنعون بما هو عليه، بل لأنه أخذهم باللين والرفق. القسوة لا تولد إلا قسوة وتعنتا.

لن تفتح قلبك للناس لتبين حجم حبك لهم، لكن بمقدورك أن تفتح فمك بأسلوبك فيصل ما بقلبك، فكلما كان التعامل ديدنه الرفق والألفة ترك لك أثرا جميلا وبصمة.

فالطبع السيئ لا يقابله إلى سوء، فقد قيل "الكلام اللين يغلب الحق البين"، التعامل بين الناس قاعدته هذه الآية الكريمة "وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ".

فالاختلاف مع الآخر لا يعطي الحق أبدا أن يكون الأسلوب سيئا، بحيث يجعل الناس يتحاشون فاقد الأسلوب، أو يلغون وجوده بينهم.

وصور هذا الأسلوب السيئ كثيرة في حياتنا، منها على سبيل المثال، ربما يخطئ سائق سيارة ويتجاوز، فيلحق به من تجاوزه ليلقي عليه الشتائم وينهال عليه بألفاظ تجعله أكثر تعنتا.

أيضا في محيط الأسرة، تعامل الوالدين مع أبنائهم بالزجر والنهي دون اتباع أسلوب الترغيب والتحفيز، كل ذلك يعطي نتائج عكسية، وقس على ذلك كثير وكثير من العلاقات بين الأفراد والمجتمعات، وبذلك وإن كان المخطئ مقرا بخطئه، لكن كي يقف في وجه هذا الأسلوب يقوم بردة فعل عكسية.

من هنا، كان الأسلوب هو من يرسم ملامح الموقف المحيط. مهما علت مكانة الشخص وبلغت أوجها، وكان فظا فإن الناس يجفونه ويصدون عنه، ويتعصبون في رأي أو موقف كبرا وعنادا.

ربما يتهاون الشخص في أهمية الأسلوب ويجهله أو يتجاهله، عندها لن يحقق أهدافه في الحوار أو التواصل الاجتماعي، ويخسر قبول الآخرين له ولفكرته، فمن أسباب عدم التقارب الاجتماعي في جميع مستوياته، هو الافتقار إلى الأسلوب الحسن، مما يؤدي إلى الفجوة بين الناس، والجفوة في المجتمعات والتجمعات البشرية.

هنيئا حقا لمن امتلك هذه المَلكة وهذا الأسلوب الراقي في جذب الناس إليه.