رصدت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو سجله صاحبه يتضمن موقفا شخصيا تعامل فيه مع سائق أجرة بصورة من صور التسلط الاجتماعي الشائع في مجتمعنا على أشكال عديدة، غير أني فضلت تناول الموضوع من هذه الزاوية الهامة لمحاولة تسليط الضوء على التسلط والاضطهاد كدور وظيفي يحاول البعض تحقيق أنفسهم وتعويض نقصهم النفسي من خلاله، إضافة إلى أبعاده العميقة في السلوك الإنساني والبنية الاجتماعية لدينا، كونه نتاجا طبيعيا عن الطبقية الحادة والتقسيم الاجتماعي، كذلك التعصب المتمثل في النزاعات الإثنية وغيرها.

قام الشاب بنشر الفيديو يستعرض فيه - بوعي أو بدون وعي- فعله الإجرامي، وذلك بمحاولة إذلال الآخر كوسيلة يتباهى بها أمام الآخرين، وهو لا يعلم أنه سيجني على نفسه خاصة وأن وسائل التواصل الإعلامية والاجتماعية أصبحت تشكل قوة في حاضرنا اليوم، ويتضح من تلك الجزئية القصيرة كيف أن رمي الاتهامات على الآخرين هو أسهل الطرق للتعبير عن تحويل الاختلاف إلى خلاف، وعلى الرغم من ذلك فالبعض يتعامل بهذه الطريقة ويظن أنه صاحب الحق، فالتلقائية لديه بنيت على هذا النمط، لكنه قد لا يدرك أنه يعتدي على الآخرين وينتهك حقوقهم.

بما أن السمات متشابهة بين جناة التسلط السلوكي وبين مرتكبي العنف التقليدي، فهناك ارتباط بين الحالتين من جانب، بينما يفسَر من جانب آخر على أنه سلوك تربوي وقع المتسلطون ومرتكبو العنف ضحية له أثناء تنشئتهم الاجتماعية سواء على مستوى الأسرة أو المحيط الخارجي، وهذا يعني أن الفكر التربوي يعمل على الإنتاج وإعادة الإنتاج لكل ما هو حيوي وسائد في الثقافة والحياة الاجتماعية، فالسلوك الذي صدر من ذلك الشاب ما هو إلا استجابة لحالة من التعامل حددتها الوضعية الاجتماعية مسبقا، فإما أن يكون عومل بها أو بنيت ثقافته وشخصيته للتعامل بناء عليها.

كان من الإيجابي أن تفاعلت الجهات الأمنية مع القضية وهذا سينعكس على اعتبارات أخرى على المستوى الفردي والاجتماعي، كذلك فإن الصورة المشرقة التي تعاملت مع هذه الحالة برفضها واستنكارها -كما لاحظناه في تعبيرات المغردين- تدل على أن المجتمع على جاهزية لتقبل تفعيل القوانين والأنظمة وتحسين الحياة الاجتماعية بالشكل الذي يساعد في تنظيمها، غير أن تكريس الحرية والوعي الحقوقي والقانوني يزيد من رفع الوعي الاجتماعي وتحمل الفرد مسؤولية السلوك الصادر منه.