في اللحظة التي ضرب فيها إرهاب "سيهات"، كنت مشغولاً بتجميع فكرة الكتابة عن وقاحة راكب التاكسي في المقطع اليوتيوبي الشهير، فلن انحاز اليوم اختياراً من بين الجريمتين؟ فوراً قررت الكتابة عن وقاحة راكب التاكسي لسبب وجيه: لأن جرائم التحريض المذهبي والطائفي لابد أن تكتب بالأولوية والأقدمية في مجتمع أصبحت لديه هذه الجرائم، وللأسف الشديد، سهرة يومية ليلية.
مساء ما قبل البارحة، تحاملت في مرة نادرة على عواطفي لأعيد مقطع راكب التاكسي عدة مرات من أجل تحليل الصورة وتفكيك الخطاب. إحساسي الداخلي يقول إن "راكب التاكسي" لم يكن داعشياً ولا قاعدياً ولا شيئاً من كل المصطلحات التي درجنا على كتابتها في العقدين الأخيرين من الزمن. إحساسي الداخلي بعد تحليل الصورة وتفكيك الخطاب يقول لي إن "راكب التاكسي" مجرد "كرتون" من بين آلاف الكراتين التي خرجت بالتغليف من "المصنع". هذا الكرتون لا يعرف مجرد إنتاج لا يعرف شيئاً عن هيكل المصنع الذي خرج منه. لا يدرك شيئاً عن أزرار الـ"ريموت كنترول" التي تدير بأصابعها "مصانع الكراتين" التي تدفع بهم إلى السوق من غرف العمليات المكيفة. وبما أننا، ولله الحمد والمنة، استطعنا القبض على هذا "الكرتون" كما تقول الأخبار فلماذا لا نختبر هذا المنتج؟ لماذا، وبدلاً من التحقيق الأمني، أن نخضعه لامتحان موضوعي لمجموعة أسئلة من نوع تلك التي كانت تطرح لامتحان شهادة الكفاءة المتوسطة، لماذا، وكيف نكتشف جوهر مصنع الكراتين وأزراره وسادتها وسدنتها، لا نطرح على هذا "الكرتون" أسئلة مثل ما يلي: من هو الحسين ومن هو معاوية عليهما من الله الرضوان والرحمة؟ من هو، أو من هما، أول من نطق بمفردتي الروافض والنواصب وماذا تعني هاتان المفردتان؟ ما هو الفرق بين مصطلحي شيخ الإسلام وحجة الإسلام ولمن يعود اللقب وإلى أي مذهب في المصطلحين؟
والخلاصة أنكم ستكتشفون أن هذا "الكرتون" مجرد تغليف أصم أبكم أعمى لمصنع يوجه "المنتج" كيفما شاء. هذا "الكرتون" مجرد آلة تسجيل استمعت إلى مئات الخطب التي تلعن كل الملل والنحل والعقائد والأديان والمذاهب. هذا الكرتون ليس إلا بطارية شحن لا تعرف حجم "الأسيد" الذي شحنت به، وفي أفضل الأحوال هذا الكرتون لم يكن أكثر من بطاقة شحن "سوا": رقم أصم من بين آلاف الأرقام أنتجه المصنع ليعمل لعشرين دقيقة، لكن هذا "الكرتون" اختصر لنا الحكاية في عشرين ثانية.