في عام 2010، قامت جمهورية الصين بدراسة لتقدير الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة في الثقافة العلمية. وعلى الرغم من كل الدعم لمجالات العلوم والتقنية والتوجه نحوها خلال العقود الماضية، حتى أصبحت الصين من الدول الرائدة في استكشاف الفضاء -الذي يعد من دلالات التقدم العلمي-، بينت النتائج أن الصين متأخرة بعشرين سنة! حيث إن نسبة المثقفين علميا فيها لم تتجاوز 3% من الشعب.

وتعرف الثقافة العلمية بأنها القدرة على فهم موضوعات في مجالات العلوم الطبيعية والتقنية والتفاعل معها، والقدرة على استخدام ذلك الفهم بكفاءة في اتخاذ قرارات على المستوى الشخصي والعملي. وينبغي أن ندرك أن كون الشخص "متخصصا" في العلوم والتقنية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه مثقف علميا، لأن علمه وثقافته قد لا يتجاوزان مجاله الضيق. وفي المقابل، فإن كون الشخص غير متخصص في العلوم والتقنية فإن ذلك لا يمنعه من أن يكون مثقفا علميا.

والثقافة العلمية درجات، تتفاوت ما بين ضعيفة لا تؤهل صاحبها لبناء قرارات علمية أو رأي علمي حول قضية ما (مثلا: الطاقة النووية والطاقة الشمسية، والاحتباس الحراري، والنفط الصخري، واستخدامات علم الفلك، وتطور الأحياء، وغيرها). وعكس ذلك فإن أعلى درجة في الثقافة العلمية هي تلك التي تؤهل صاحبها لاستخدامها في اتخاذ قرارات وبناء آراء علمية سليمة.

لو سألنا عن نسبة المثقفين علميا في العالم المتقدم سنجد أن المعدل في الولايات المتحدة كان يتراوح بين 5% و10% من الشعب في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، أما اليوم فهو يقترب من 15% من الشعب، حسب دراسة نشرت في هذا العام.

ونحن اليوم في زمن العلوم والتقنية، ولكي يعلم القراء أهمية الثقافة العلمية لمجتمعنا الذي ما زال يحبو في تلك المجالات، علينا أن نفترض أن نسبة المثقفين علميا في المجتمع هي 0.5% (1 على 200) من الشعب؛ ومعنى ذلك أنك لو جمعت بشكل عشوائي عشرة مواطنين، فإن احتمال أن يكون واحد منهم على الأقل مثقفا علميا هو 5%، وهو احتمال ضئيل جدا.

الآن تخيل لو أن أولئك العشرة هم أعضاء لجنة مكلفة بالنظر في قضية تمس المواطن، أو مجموعة من الشباب يفكرون في مشروع، أو هيئة تحرير في صحيفة أو جهة إعلامية، أو عناصر من الأمن في مواجهة ما، أو أعضاء لجنة في مجلس الشورى، أو حتى لجنة وزارية! إذا انعدم احتمال أن يكون واحد من الحاضرين على الأقل مثقفا علميا، فإن القرارات المتخذة قد تكون قاصرة، وقد تصاحبها تبعات سيئة.

لكي أبرز لكم سلبية الأمر -وعلى افتراض أن النسبة التي ذكرتها للمثقفين علميا في مجتمعنا قريبة من الواقع-، فإنك لو جمعت 150 مواطنا -وهو عدد أعضاء مجلس الشورى-، فإن احتمال أن يكون "واحد" منهم على الأقل مثقفا علميا هو 53,. %! إذن، من المحتمل ألا يوجد في مجلس الشورى مثقف علمي واحد، على الرغم من أن بعضهم خبراء في مجالاتهم الدقيقة!

وهنا تظهر أهمية رفع نسبة المثقفين علميا في المجتمع، ويكون ذلك بمبادرات حكومية وخاصة. ولكن لأننا لا نعرف تحديدا كم هي نسبة المثقفين علميا لدينا، فإننا بحاجة إلى دراسة مسحية، ومن ثم وضع هدف وخطة لرفع تلك النسبة. فالثقافة العلمية تمس المجتمع بشكل مباشر. وإغفالنا لأهمية التوعية العلمية ونشر الثقافة العلمية هو أمر غير مقبول، بل وربما يشكل خطرا على مستقبلنا.

أخيرا، أعود إلى الصين، حيث بينت دراسة أقيمت في هذا العام أن نسبة المثقفين علميا قد تضاعفت لتصل إلى 6.3% من الشعب خلال السنوات الخمس الماضية؛ لتتحقق بذلك الخطة الخمسية التي وضعتها حكومة الصين، ولتبدأ خطة خمسية أخرى لمضاعفة النسبة خلال السنوات القادمة.

والسؤال هو: ماذا عنا نحن؟.