أصبحنا نشعر أن اضطهاد النساء بمثابة الوظيفة النفسية التي يُمارَس فيها دور القمع ذو الآثار البالغة الضرر على الصعيد النفسي للمرأة وما ينعكس في أداء عملها المؤطر بالمحاذير، فالتجارب التي تنطلق منها الصورة الذهنية بما تمليه من القيود وتفرضه وتقننه بالعقوبات في سلوك المرأة، هي تلك التجارب المستنسخة ذهنيا حسب قواعد المجتمع والناتجة عن الكبت والشعور بأن وجود المرأة بمثابة الاقتحام للأماكن التي لا تخصص لها عادة، مما يعرض شرفها للخطر، ويجعل الانشغال بأعراف الطهارة والشرف أمرا ملحا يتطلب تحديث صيغها وتوظيفها في كل مناسبة، غير أن فرض العقوبات والقيود ليس إلا مبررا لرفض مزاحمتها أماكن الرجال بمحاولة التضييق عليها من جانب غير مباشر.

من السهل جدا حصار المرأة وتطبيق الأنظمة ضدها، ومن الصعب تحسين وضعها الذي يعني بالضرورة حرمان الرجل من الامتيازات التي يتمتع بها بطرق تربوية ومنهجية، فمن السهل أن تفرض على المرأة عقوبة وأن يوضع لباسها محل إشكالية وجدل عقيم تبنى عليه الأحكام الدينية والأخلاقية التي تجعل الإخلال بأي من المعايير الشكلية للملابس يعني عدم كفاءتها للعمل أصلا، بالمقابل ستجد أنه من الصعب أن يكون الرجل مسؤولا ويعاقب كمتحرش رغم كونه جانب التأثير والقطب المقابل الذي تقاس عليه الحيثيات في هذه المسألة.

بالرغم أن الجنسين ضحية للتشويه الإنساني الذي ينشؤون عليه اجتماعيا، إلا أن هذا الأمر هو سبب الاختلال في العلاقات الإنسانية بين النساء والرجال، فكل فرد يعبر بطرق غير مباشرة عن أسباب عدائه لكل شيء مسؤول عن قمعه، ويبحث عن تعويض هذا الشعور ضد الأشياء التي لم تتسبب في قهره مباشرة، ويظهر ذلك في الأساليب التي تفسر مدى قبوله ورضاه عن أي فعل يمكن اتخاذه ضد الجنس الآخر، وإذا وجدنا شريحة واسعة من الرجال تشجع موضوع الغرامة ضد النساء العاملات أو الراكضات وراء أحلامهن في المجالس البلدية، فليس الأمر بالغريب كون المجتمع أصلا يشجع الرجال على فعل ذلك ويعوض النقص الإنساني في مشاركة النساء ومرافقتهن ببديل الصورة التقليدية المرسخة عن الرجولة كأساليب السُلطة والتعالي والتمييز، وتعزيز أساليبها المرضيّة في سلوك الرجال.

فرض العقوبات لشرعية اللباس مقابل زيادة الاحتياج لليد العاملة النسائية هو من الأساليب القاصرة في معالجة تقبل وضع المرأة في مجالات العمل غير المعتادة، فهو يعني السماح لهن بالعمل مقابل تكريس الدونية ضدهن بالطريقة التي قد تجعل رجلا غير مسؤول عن تصرفاته يتوقع من امرأة تقاسمه الفاعلية في العمل أن تطيعه وكأنها جارية لديه!

إن الهندسة الاجتماعية في مجتمع كالسعودية تخلق من الرجل والمرأة أعداء لبعضهما وتتحكم في علاقاتهما بالصراع، غير أن وجود الأنظمة التي تشرع للمرأة المشاركة في المجال الاقتصادي والتنموي تقابلها نظم أخرى تتحدى بعضها وتتضارب معها وتجعل النساء ضحية، تفسر وجود حالة من التنافر بين التحديث الاجتماعي والاقتصادي الواقع في مواجهة حقيقية للأيديولوجيا التقليدية، والتي تجعل الاستمرار في ممارسة التمييز ضد المرأة حلا للصراع والجدل في وضعها المعاصر، إضافة إلى أن القضاء على التمييز يخلق ضغطا ومسؤولية وتحديات تنظيمية متجددة توجب على الجنسين متطلبات جديدة اجتماعيا في مفهوم كل منهما عن الآخر، وهي متطلبات الثقافة الجديدة والنقيضة التي تفتقد الجانب التنظيمي وتخلق ملاءمة أفضل بين الجنسين، والتي لن تنتج أبدا عن عقوبات وغرامات الحصار والضوابط الشرعية التي روج لها مؤخرا.