في هذ الشهر، أكتوبر، الذي يوشك على نهايته، تكثر المناسبات الصحية، وأهمها أن "أكتوبر" هو الشهر العالمي للتوعية حول سرطان الثدي أو الزهري. وهي المبادرة العالمية على المستوى الدولي، حيث بدأت جهات صحية ووطنية حول العالم منذ أكتوبر 2006 باتخاذ اللون الزهري كشعار من أجل التوعية بسرطان الثدي وخطره، كما يتم عمل حملات تطوعية وخيرية من أجل رفع مستوى التوعية والوقاية وتقديم الخبرات والمعلومات من أجل هذا المرض والمصابين به. كما أن العالم في ذات الشهر احتفل في 10 أكتوبر باليوم العالمي للصحة النفسية للتوعية العامة بقضايا الصحة النفسية ومستقبلها.

لا يخفى على الجميع أن المرض ألد الأعداء الإنسان والإنسانية سواء كان مرضا جسديا أو نفسيا.. فحين يجد طريقه إلى جسم أحدهم لا يتوانى عن إذلاله وإخضاعه والنيل منه.. ومقولة: "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى" مقولة صادقة، وحقيقية ومعبرة.

يجب ألا نستهين بما لدينا من قوة العافية، والسلامة من الأمراض، وأن نحافظ عليها بكل قوتنا وبكل أدواتنا ووسائلنا.

يشعر المريض بكثير من الهوان والضعف حين يرقد على السرير الأبيض.. يصارع أنواعاً من المرض، وقد حاول الإنسان -ولا يزال، وسيظل يحاول- أن ينقذ أخاه الإنسان من أنواع الأمراض المختلفة، ولنا الفخر بالإنجازات قديماً وحديثاً من العلماء والأطباء في شتى بقاع الأرض.

دعونا نسافر في رحلة قصيرة مع مريض نستعرض جزءا مما يتعرض له عندما يدخل غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية، وهذا الإجراء جزء من علاج بعض الأمراض التي يتعرض لها الإنسان. تبدأ دورة العمليات حين يحقن بجرعة مخدرة لجميع أعضاء جسده، عندها يخبره الطبيب بضرورة التخدير ويذكره بتلاوة شيء من الأذكار (كما حدث معي.. وكأن ذلك اليوم هو آخر يوم في حياتي الدنيا) ثم يطلب منه أن يعد إلى العشرة، لحظات قصيرة لكنها طويلة على المريض، حيث يشعر بالرعب والألم والهلع والخوف. بعدها يغيب عن الوعي كما لو أنه في حلم كبير، يعتقد أنه نائم أو معلق بين السماء والأرض، وحين يفيق لا يعرف الزمان ولا المكان وقد ينسى من هو! حينها يأتيه الطبيب ويقول له: (لقد غبت عن الوعي) ويذكر كم عدد الساعات أو الأيام التي فقدها، ومن ثم يخبره بنتيجة العملية الجراحية، ويفيده بأنه سيبقى معه في غرفة الإفاقة (غرفة الإنعاش) لحين التأكد من أن حالته سليمة.

في غرفة الإفاقة أو الإنعاش، تبدأ مرحلة جديدة، وحتى لا تحدث مضاعفات فالمريض ممنوع من ممارسة حياته بشكلها الطبيعي. إضافة الى عدد من الإجراءات التي تجرى للمريض: جهاز ضربات القلب الموصول بالجسم من أجل ضخ كمية من الدم في جسده عن طريق أنابيب، ويبدأ الجهاز بمراقبة دقات القلب.. ولك أن تتخيل والمريض يحاول أن يرصد دقات قلبه ويسمعها.. المنع من الطعام وحالة من الجوع والجفاف تجتاح المريض.. جهاز التنفس للمساعدة على إيصال الهواء إلى جسم هذا المريض، أما الأكثر إيلاماً للمرضى فهو وصل الجهاز التناسلي لمساعدته في القدرة على الإخراج. بعد كل هذا.. لا يجد المريض غير أنه جسد مسلوب الإرادة، عبارة عن مجموعة من الأسلاك والأنابيب عاجز عن الحركة أو الكلام أو الأكل أو الشرب.. جسد يئن من الألم.. إنها الحاجات الإنسانية الأولية: التنفس والطعام والشرب والحركة.. والتي يصعب على المريض ممارستها بالشكل الطبيعي، بل يحتاج إلى مساعدة كما الأطفال أو أكثر. أما أسوأ حالات المريض فهي حين يصبح بلا حول ولا قوة.

في رحلة المرض؛ لا يفكر المريض ولن يفكر كثيراً بكل هموم الحياة.. الوظيفة والعمل.. الدراسة والنجاح.. المجد والطموح؛ يراها صغيرة متلاشية. أضف إلى ذلك أنه ينسى أسرته وأهله وأصدقاءه، بل كل الناس من حوله. إنه لا يذكر إلا هذا الجسد المنهك والنفس المتعبة التي أجهدها المرض.

كانت لي رحلات متعددة مع المرض دخلت على إثرها ما يزيد عن السبع مرات إلى المستشفى، وتعرضت إلى أكثر من هذا العدد من جرعات المخدر الكامل لكل أعضاء الجسم. خرجت في كل مرة محبة لله شاكرة له، وقبل هذا منتصرة على الضعف والهوان والذل والمرض بجرعات حقيقية من الأمل بأن القادم أجمل. متسلحة بقوة النظر للإمام وأنني قادرة على تخطي ما هو أصعب. المرض إما أن يقتلنا أو نقتله، إما أن يحطم إرادتنا أو نحطمه، إما أن يقضي علينا أو نقضي عليه. بين النتيجة والنتيجة الأخرى تأتي قوتنا الخارقة وإيماننا القوي وعزيمتنا الصلبة.

أخيرا: داووا أمراضكم بقوة إيمانكم، "وصحتكم بالدنيا".