دعا بعض أعضاء الشورى في مناقشة تقرير المجلس السنوي إلى ضرورة استعانة هيئة الأمر بالمعروف بالنساء لأداء واجبات الحسبة، بناء على ملاحظة مفادها "تناقص الوقوعات التي ضبطتها الهيئة خلال العام الماضي"، مشككين في ضعف الجانب الوقائي الذي تقوم به الهيئة، ما استوجب طرح توصية مقتضاها ضرورة دعم الجهاز بالعنصر النسائي، هذا بالرغم من أن الهيئة لم تطلب بشكل رسمي وصريح دعمها بمثل هذه التوصيات، ومن المتوقع أن يأتي الأمر ضمن المحاولات التي تسعى إلى تعظيم دور الوصاية الأخلاقية في الذهن الاجتماعي وحاجتها الملحة إلى تجديد الحضور على المشهد أمام انفتاح أصبح من الصعب استيعابه.

هذا المقترح غير مدعم منطقيا بدراسة في ظل عدم وجود المراكز المتخصصة في الدراسات والأبحاث التي يمكن الاستفادة منها في علاج المشكلات الاجتماعية، وإذا أردنا أن نفسر الملاحظة من جانبها الضمني الذي استند عليه أصحاب المقترح، فمن الممكن أن نستنتج أيضا أن المجتمع في ظل الانفتاح الفكري والثقافي تغيرت أساليب حياته واتسعت مساحة الإحساس بالمسؤولية لديه، وسننظر إلى انخفاض معدل "الوقوعات" كمؤشر إيجابي في حيثياته الموضوعية، لكن القرارات الحقيقية لا تبنى على اجتهادات التخمين والتشكيك في أخلاق المجتمع.

إن الذهنية التي صنعت التوصية انطلقت في حكمها من السواد الذي تفكر من خلاله، فتتصور أن المجتمع فاسد، وأن الناس أخذوا في تطوير حيلهم تجاه سُلطة الجهاز وملاحقته للفساد، ما خفض معدل الأحداث والذي استوجب الاستعانة بالعنصر النسائي الذي يستخدم التحجيب في التنكر ويمارس دور التجسس لرفع مستوى الوقوعات المرضي لأصحاب التوصية، والباعث على الاطمئنان بأن المعادلة المتخلفة تربويا في وضع فرضيات التعامل بين الناس ما زالت فعالة وتعمل وفق القواعد التي وضعت من أجلها.

إن كانت تربية المجتمع هي الهدف، فإن كل الممارسات التي اعترضنا عليها تفتقد للعامل التربوي، وكلما عاملت الناس كرقيب ومشرف أخلاقي تنتظر منهم الخطأ لتقابلهم بالعقوبة فإن المجتمع لن يتغير ولن ينهض، فكيف يدعم الشورى هذه الممارسات ويطالب بتعزيزها بالعناصر النسائية، في حين أن صيانة المجتمع من المنكرات لا تأتي بالأساليب التي تكرس الريعية وزيادة الحصار للإنسان في وعيه وفكره وسلوكه، الأمر الذي يعني إبقاء المجتمع ضعيفا فاقدا للقوة الحقيقية التي استطاعت بها المجتمعات الحديثة إدارة نفسها، لأنه ليس من الممكن أن نصنع العقول الخلاقة والمبدعة من خلال النظرة الاتهامية للمجتمع، ومن خلال أعضاء في الشورى يبنون توصياتهم على طريقة "شاهد ما شفش حاجة".

إن عامل الثقة هو العنصر المفقود في القضية، ومن حق كل فرد في هذا الوطن أن يشعر بالاحترام وأن يربى في ظروف ملائمة تغذي لديه الرشد وحس المسؤولية، وأي قرار أو توصية لا تحترم الناس وتبنى على التشكيك في أخلاقهم، وإن وضعت ضمن إطار تنظيمي، فإنها تعني الإهانة ولا تستحق أن تقابل بالاحترام.

كلمة أخيرة، إن بعض العضوات في مجلس الشورى تذكرنا بالنائبات الإخوانيات في البرلمان المصري أيام حكم الإخوان، فقد رفضن تفعيل قوانين التحرش ورمين بالعبء والمسؤولية كاملة على المرأة، هذا قياسا على حديث إحداهن في اتصال إعلامي قبل أيام، وحين تتحول العضوة في الشورى إلى شيخة مزهوة بوجاهة المنصب فإنها لن تهتم بحقوق النساء ولن تمثلهن في القرار السياسي.