وما آفة الأخبار إلا رواتها. لدينا مشكلة حقيقية في نقل ونشر بعض الأخبار، وهي ليست مشكلة في تقصي المعلومات الدقيقة من مصادرها فقط، وإنما تضاف إليها الرغبة الواضحة أحيانا في الاستفزاز وتكريس الشائعات، والأمثلة على ذلك تترى يوميا خاصة في الفضاء الإلكتروني الذي سبق وأن كتبت عن صحفه مؤملا لها قدرا من المهنية يبني لها مصداقية وثقة بين قرائها، ولعل من آخر ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد ذلك الخبر الذي طارت به ركبان النت وخفافيشه حول إيقاف حلقات تحفيظ القرآن الكريم في منطقة مكة المكرمة وما تبع ذلك من تشنيعات على القرار وإضافات وتهيؤات بنى عليها صناع الكوابيس – كما يسميهم زميلنا جمال خاشقجي – مؤامرات وأهدافا لا أصل لها إلا في أذهانهم المريضة، بينما الحقيقة كان القرار تنظيميا لا مانعا، وكان تذكيرا من إمارة مكة المكرمة بذلك القرار التنظيمي الذي أصدره سمو النائب الثاني وزير الداخلية منذ عام 1324هجرية أي قبل سبع سنوات وهو قرار تنظيمي مبني على ملاحظات جوهرية تم رصدها من واقع الميدان فيها تجاوزات نظامية وأمنية وأفضت إلى ضرورة سعْودة المحفظين في هذه الحلقات حفاظا على الأمن والنظام بالمفهوم الشامل، وحين أقول بالمفهوم الشامل فإنني أعني الأمن الفكري إذ إن حفظ القرآن الكريم لا مشكلة فيه وإنما المشكلة في توظيفه عبر تأويلات وتفسيرات تخدم أهداف الضالين والمسيسين، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، فكل الفرق الضالة والخلايا المسلحة تستند إلى تفسيراتها وتأويلاتها الخاصة للقرآن والسنة، ومن حقنا بل من واجبنا أن نحمي بلادنا وننشئ أجيالنا وفق المفاهيم الوسطية المعتدلة لنصوص القرآن والسنة وبالصورة التي تحقق الحكمة الإلهية من استخلافنا في الأرض لعمارتها لا لتخريبها، هذا فضلا عن أن كثيرا من العاملين في التحفيظ هم من مخالفي نظام الإقامة في البلاد، وممن يقبلون أجورا متدنية جدا لا يمكن أن يعيش أي واحد منهم عيشة كريمة بها مما ينبئ أن له مصادر أخرى خفية أو له أهدافا أخرى تستحق التضحية إلى هذا الحد، وخلاصة الأمر أن القرار تنظيمي شامل لجميع مناطق المملكة وقد توالت التعاميم التي تذكر الجمعية بضرورة الالتزام به أكثر من خمس مرات على مدار السنوات السبع الماضية، ولا أظن الجمعية ستعجز عن إيجاد محفظين مواطنين سواء بأجر أو متبرعين متى ما انطبقت عليهم الشروط التي حددها القرار الصادر في عام 1324.
الطريف هنا، أن الذين اعتبروا الأمر مؤامرة عندما تبين لهم أن القرار تنظيمي من وزارة الداخلية وقديم منذ سنوات وشامل لكل مناطق المملكة انتقلوا إلى نقد السعْودة وبدأوا يرددون سعْودوا الأسواق والشركات أولا قبل حلقات التحفيظ، وهو نفس المنطق الذي استخدموه عند تأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية حيث لم يجدوا حجة إلا القول أنثوا الطب النسائي أولا، وهو منطق مراوغ يشبه الثوب الذي يشف عما خلفه. بقي سؤال مهم لماذا لم يتم الالتزام بقرار التنظيم منذ صدوره ولماذا لم يطبق؟ وما هو وضع بقية مناطق المملكة؟ وهو سؤال يسير في اتجاهين.