وصلت الغالية "الرياض" مغرب الثلاثاء الماضي، وفي جدول غارة قصيرة، طلبت من الصديق العزيز الدكتور سعد السويلم، أن يأخذني إلى ما كان من بقايا الأمس إلى جامعة الملك سعود لسببين: في الأول أن أقف على أطلال صديق المهجر والمحضر الذي رحل عن الوجود فلن يرحل عن الذاكرة، وفي الثاني، لكي أستعيد بعض مساءات جامعتي الأم التي كانت ذات يوم، بل ذات قرن، بالنسبة لي "صفر التكوين" ومعمل المشكلة الفكري والثقافي. ويؤسفني جداً أن أكتب لكم تفاصيل الحزن في الفارق ما بين عصرين وبين زمنين وجيلين في حياة جامعة. يحزنني جداً أن أكتب ما يلي في الفوارق بين مرحلتين: دخلت إلى جامعة الملك سعود بعد المغرب لأكتشف أنها أكبر مساحة "أرض بيضاء" بل أكبر مساحة صحراوية في القلب الشمالي لمدينة الرياض. جامعة تنام مع صلاة المغرب إلا من بعض أفراد "السيكيورتي" الذين كانوا يلاحقونني بالأسئلة: ماذا تريد، ولماذا أنت هنا، ولماذا الإصرار على زيارة الدور الأرضي لكلية الآداب، ولماذا تفتح كاميرا الجوال باكياً على أطلال مكتب زميل غربة راحل؟ وأنا اليوم لا أكتب جامعتي الأم القديمة بقدر ما أكتب رثاء مؤلما لكل جامعاتنا التي تقفل أبوابها بعد صلاة العصر كأي مدرسة ابتدائية. أنا أكتب السؤال: لماذا تحولت الجامعة إلى أكبر أرض بيضاء، بل إلى أكبر صحراء قاحلة في شمال هذه المدينة؟
بهو جامعة الملك سعود، وحده، هو البرهان المثالي للفارق بين زمنين. دخلته بعد مغرب الثلاثاء الماضي، وللمرة العاشرة سأكتب، صحراء وأرض بيضاء بعد أن كان كل ما يلي في ما مضى من زمن أيامنا الجامعية: كان صخبا هادرا حتى منتصف المساء لآلاف الطلاب الذين يتزاحمون في طوابير طويلة على مخارجه الثلاثة: مسرح الجامعة ومطعم البهو والمكتبة المركزية، وكلها اليوم مجرد بوابات ثلاث، فلم أجد بهذا "البهو" التاريخي سوى ثلاثة رجال أمن يكررون ذات الأسئلة: لماذا أنت هنا، وماذا تريد؟ حتى إلى الدرجة التي يكون فيها دخول كلية الآداب بعد المغرب في أعرق جامعة سعودية شبهة تستحق الملاحقة. أختم بهذه اللقطة: فجأة وقفت أمام مبنى المدرج المركزي "رقم 6" شمال البهو الجامعي وعلى أيامي كانت مساءاته رئة لأكبر جامعة. هنا وفي هذا المبنى جاء إلينا "جاك دريدا" و"فؤاد سيزكين" وفي ذات المبنى دخلت أول اختبار "التوفل" في حياتي من أجل أوراق القبول في جامعة أميركية، حاولت دخول المبنى التذكاري ليرد علي رجل الأمن: إنه مقفل للصيانة. والخلاصة أنني زرت جامعتي فلم أقابل سوى رجال الأمن. صحراء سائبة وأرض بيضاء في قلب المدينة.