منطقة الشرق الأوسط عصية على التغيير، بل تعتبر المنطقة الوحيدة التي فشلت فيها كل السياسات الموجهة والمدعومة من كبريات الدول في العالم، وظلت باستمرار أسخن مناطق الأرض.
تستقبل الحدث بعد الآخر، والفعل ونقيضه، ومطارات مدنها وعواصمها تستقبل الوفود الرسمية والدبلوماسية والشعبية زيارة بعد زيارة.
رغم تغير الممثلين واختلاف الأزمان بين المشاهد، إلا أن الصورة ثابتة ترفض الخضوع لكل اجتهادات المخرجين، حتى بعد العمليات الجراحية القاسية التي تجرى، وتصر على احتضان أزماتها.
وصناع القرار والمسؤولون فيها في دائرة مغلقة من مؤتمر إلى محادثات إلى لجان إلى تسوية إلى صلح ثم انفجار، وتتوالى الدورة الجهنمية.
مؤخرا، يلاحظ المهتمون بعض التغيير الذي بدأ يظهر إلى العيان، وإن كان على مستوى اللاعبين وأدوارهم، وليست الصورة وملامحها.
فأميركا التي ظلت باستمرار لاعبا أساسيا، تشغل أكبر مساحة لوجودها وحضورها في الشرق الأوسط، وطرفا رئيسيا في كل ما يخص المنطقة، تراجع دورها كثيرا، وفقدت كثيرا من مواقعها وامتيازاتها، فتمددت روسيا لتشغل تلك المساحات، وتصبح لاعبا أساسيا ومحوريا بعد سنوات من انهيار الاتحاد السوفيتي.
وسارعت تركيا أيضا لاقتسام المساحة التي تركتها أميركا، وأصبحت مؤثرة وحاضرة في كثير من الملفات والقضايا التي تخص المنطقة كطرف أصيل ومهم.
نعم، ظهر لاعبون جدد، لكن لا تزال المنطقة كما هي، تتحرك ملفاتها من يد إلى أخرى ومن ملعب إلى آخر، دون أي تغيير جوهري، وذلك لأن أصحاب الشأن الحقيقيين مغيبون أو غيبوا أنفسهم، وارتضوا دور المتفرج الذي ينتظر الفائز في المباراة النهائية، ليهتف بحياته ويسلمه مصيره، باعتباره البطل المنقذ. وتحضرني هنا أول زيارة للرئيس الأميركي جورج بوش الابن إلى إسرائيل بعد انتخابه في الولاية الأولى، ومن منصة خطابية من داخل مدينة القدس، استخدم تعبيرا مشددا وصارما، ودعا إسرائيل إلى إنهاء "الاحتلال"، وكانت هي المرة الأولى التي تستخدم فيها الإدارة الأميركية كلمة "احتلال" في وصف سيطرة إسرائيل على الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967، فحشد الإعلام العربي بأكمله أدواته وإمكاناته لدعم بوش ومواقفه، وربطت أحلامها وأمانيها ومصيرها بوجوده وسياساته، ولم تنل المنطقة سوى مزيد من بؤر الانفجار والتوترات، وظلت إسرائيل كما هي دون أن تغير من سياساتها تجاه الفلسطينيين.
أجزم بأنه آن الأوان لمنظمات عربية مثل مجلس التعاون الخليجي أو حتى جامعة الدول العربية، أن تفرض نفسها، وأن تنهض وتشغل كل المساحات التي تركتها أميركا، وتصبح لاعبا أساسيا في معادلة الشرق الأوسط، فمنذ عام 1967، ظلت المنطقة رهينة للحلف الأميركي والروسي، ولم نجنِ سوى استمرار الأزمات.
وما دامت الفرصة متاحة الآن، لماذا لا يتم تفعيل هذه المنظمات ودعمها لتقوم بواجبها ودورها، خصوصا أنه أصبح للمملكة حضور ودور مهم في المنطقة يمكن الاستفادة منه في تقوية وتدعيم هذه المنظمات.