تابعت قمة الرياض العربية اللاتينية بعيون مختلفة عبر وسائل الإعلام المرئي والمكتوب، واستمعت لأحاديث عديدة عبر البرامج السياسية التلفزيونية، إذ استفاض المحللون في الحديث عن هذه القمة من زوايا مختلفة..

البعض أظهر أهمية القمة العربية اللاتينية من زاوية الصراع مع إيران، وأنّ هذه القمة وضعت إيران في عزلة.. استناداً إلى أهمية استيعاب فنزويلا وعلاقتها المستجدة مع العرب بعد أن كان الرئيس الفنزويلي السابق شافيز صديق أحمدي نجاد قلباً وقالباً..

لا شكّ أن أمر استيعاب فنزويلا وتحسين العلاقات مع العرب بالغ الأهمية.. إلاّ أنّه أيضاً ما كان ذلك ليحصل لو أنّ إيران تحافظ على صداقاتها.. فهي استخدمت فنزويلا طويلاً دون أن تعطيها شيئاً سوى الوعود الكاذبة والكثيرة ولوقت طويل.. وكعادتها تفاجئ أصدقاءها بعدم احترامها لهم أو أنّها تستخدمهم لأغراضها الخاصة دون النظر إلى مصالحهم، وخير دليل على ذلك ما فعلته بشعوب العراق وسورية واليمن ولا تزال تمعن في استخدام هؤلاء الأصدقاء أسوأ استخدام..

كان لا بدّ من هذا الإيضاح حول عملية استيعاب فنزويلا لنقول إنّه على العرب الأخذ بعين الاعتبار أنّه ليس هناك صديق لإيران سوى إيران، وهذا ما سيكون له في وقت قريب تداعيات وتداعيات داخل إيران وخارج إيران على سياسة تصدير الثورة وزرع الفوضى والانقسام داخل المجتمعات.. حيث استطاعت إيران اختراق المجتمع العربي أو الإسلامي أو غير ذلك..

تصدّرت قضية فلسطين إعلان الرياض التاريخي والتأسيسي لعالم ما بعد الفوضى الخلاقة التي زرعتها أميركا في مجتمعاتنا ودولنا، والتي أعطت إسرائيل استراحة طويلة من الضغوط الدولية فيما يعرف بحلّ الدولتين أو عملية السلام.. لأنّ العالم الآن منشغل بالحروب الدائرة في سورية والعراق واليمن وليبيا ونظام التحالفات من أجل محاربة داعش.. مما جعل القضية الفلسطينية تتراجع إلى المراتب الدنيا من الاهتمامات الدولية والعربية أيضاً بسبب الكوارث التي تقع هنا وهناك.

أعتقد أنّ إعلان الرياض فيما يخص القضية الفلسطينية سيكون له ما بعده، وذلك بسبب علاقة أميركا اللاتينية الوثيقة بالعرب أولاً وبفلسطين ثانياً.. لأنّ دول أميركا اللاتينية والمسيحية الكاثوليكية معنية بأماكنها الدينية في فلسطين.. وخصوصاً أنّ رئيس الكنيسة الكاثوليكية في روما هو الآن ذو جذور من أميركا اللاتينية وهي تعتبره ممثلاً لها.. وعندما يكون العرب وأميركا اللاتينية مع فرنسا في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية.. ويذهبون إلى حيث تحدّث إعلان الرياض عن تذكير الأمم المتحدة بالقيام بواجباتها تجاه الحلّ السلمي في فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.. أعتقد أنّه سيكون لهذا الاتفاق والإعلان ما بعده في أروقة الأمم المتحدة..

نستطيع التّأكيد أنّ زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقاءه مع الرئيس أوباما بالتّزامن مع انعقاد القمة العربية اللاتينية في الرياض لهما دلالاتهما.. وهي أنّ القضية الفلسطينية قد عادت إلى مكانتها بما هي القضية الأساس للعرب قاطبة.. وعليه فإنّ قمة الرياض أعطت هذه القضية دفعة قوية تجعلها تتقدم على كلّ ما عداها.. إذ إنّه لا يمكن حدوث استقرار وانتظام في المنطقة دون حلّ عادل للقضية الفلسطينية، وربما نتحدث في يوم قريب عن أنّ قمة الرياض قد أعادت الاعتبار للمبادرة العربية للسلام بالتكافل والتضامن مع فرنسا وأميركا اللاتينية،

الأمر الذي لم يأخذ حقّه في المتابعة الإعلامية هو البعد البصري للمشاهد العربي الذي سئم من مشاهدة القتل والدمار والتّشريد.. إذ أصبحنا نعاني أزمة الصورة العربية في عيون شعوبنا والعالم، وأصبح المواطن العربي بأمسّ الحاجة إلى صورة تعيد الاعتبار للانتظام العربي العام.. فجاءت هذه القمة العربية اللاتينية لتعيد إلى الأذهان صورة الانتظام العام للعمل العربي المشترك واستعادة المبادرة في حلّ قضايانا وتعميق صداقاتنا.. فكانت صورة القمة في توقيتها رداً على كلّ ما يشاع حول تداعي النظام العربي وأطره الناظمة.. فكانت قمة الرياض بمثابة إعادة الاعتبار إلى صورة العرب أمام شعوبهم والعالم..

يتابع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مسيرة إعادة الاستقرار العربي والشراكة الدولية على أساس المصالح الحيوية والأمنية للوطن العربي.. فبعد القمة العربية اللاتينية في الرياض، يشارك اليوم في قمة العشرين للاقتصادات الكبرى في العالم، والتي تضمّ المملكة العربية السعودية كبلد عربي وحيد في هذه المجموعة.. ويأتي هذا المؤتمر المنعقد في تركيا في ظروف استثنائية قاهرة، إذ تشارك فيه دول العشرين في النزاعات الدائرة في منطقتنا بجيوشها ودبلوماسيتها من أجل حماية مصالحها..

سيكون هذا المؤتمر بمثابة مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط وسيحمل معه خادم الحرمين الشريفين إعلان الرياض ليضع القوى العظمى أمام مسؤوليتها تجاه القضايا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين، وحلّ النزاعات في سورية والعراق واليمن وليبيا..

وسيكمل خادم الحرمين الشريفين مسيرته في إعادة الاعتبار إلى صورة العرب..