من أجمل وأهم الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام أخيرا والذي في محتواه بشرى لمستقبل واعد للجيل القادم من الجنسين الفتيات والشباب هو موافقة مجلس الوزراء على إنشاء الهيئة العامة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتكون هيئة ذات شخصية اعتبارية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري إضافة إلى هذه الموافقة أقر مجلس الوزراء نقل نشاط تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة من البنك السعودي للتسليف والادخار إلى صندوق التنمية الصناعية السعودي..
هذه الخطوة المباركة التي أقرها مجلس الوزراء مبشرة بالخير للطاقة البشرية الهائلة التي نتوقع جاهزيتها قريبا خلال الأعوام القليلة القادمة، ففي اللحظة التي يتخرج فيها آلاف الطلاب المبتعثين في كافة الدول نجد أضعاف هذا العدد يتخرج من كليات ومعاهد وجامعات السعودية باختلاف المناطق والتخصصات، ولا يوجد شيء بوسعه أن يستوعب كل هذه الأعداد وتحويلها إلى طاقة إيجابية ترفع المستوى الاقتصادي للبلد، وتحد من مخاطر البطالة، وتنوع مصادر الدخل القومي مثل ما تفعله المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
بلد مثل الصين بعدد سكانه المليار و400 مليون نسمة غالبيتهم من الشباب لم يكن ليستوعب كل هذا العدد من الطاقات البشرية لديه لولا دعمه للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بكافة مجالاتها الصناعية والتقنية والزراعية والتجزئة إلخ ...، لذلك نادرا ما تجد شابا صينيا يهاجر بحثا عن العمل رغم عددهم الكبير والمنافسة الشرسة على الفرص الوظيفية، الكثير منهم إذا غادر بلده للعمل فإنه يسافر فقط للعمل مع شركته الصينية في مشروع صيني في إحدى الدول لوقت معلوم مربوط بمدة تنفيذ المشروع، ومن ثم يعود فورا إلى وطنه تنتظره العديد من فرص العمل ورغم التنافس الشديد عليها إلا أنه هناك متسع للجميع.
أذكر في إحدى الندوات التي أقامتها وزارة التعليم للطلاب المبتعثين كانت هناك فقرة لحث الطلاب المبتعثين على التفكير في دخول مجال المشاريع الصغيرة والعمل خلال فترة الدراسة بتحويل الفائدة والتجارب التي يجنيها الطالب أو الطالبة من دراسته في الجامعات العالمية واحتكاكه بالثقافات الأخرى إلى فكرة مشروع يعمل على تطويرها وبحث سبل دعمها ليصبح بدلا من مبتعث متخرج يبحث عن فرصة عمل إلى مبتعث متخرج يخلق فرص العمل لغيره.. كان التفاعل مع هذه الفقرة من الندوة مشجع، والكثير من الحضور أبدى الرغبة والإرادة، وكانت تبريرات البعض منهم لعدم دخول هذا المجال هو كثرة المعوقات التي تواجه المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومن أهمها قوانين مكتب العمل وتعقيداتها التي وقفت كصخرة كبيرة في وجه نجاح المشاريع الصغيرة، وأيضا تعقيدات الإجراءات الحكومية الأخرى التي يجب عليه تكرار زيارتها للحصول على تصريح، بالإضافة إلى نقص سبل التمويل وعزوف كثير من البنوك التجارية عن تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لعدم وجود الضمانات الكافية ونقص السجل الائتماني، هذه النقاط قد تعتبر أهم المعوقات وليس حصرا لها، ولو ذكرنا المزيد ما استطعنا أن ننسى نقص الإرشاد والاستشارات والتدريب لمالكي المشاريع وعدم توفر دراسات جدوى متمكنة وخطط الإنقاذ من التعثر والحماية من الإفلاس.
الآن وقد أصبح لدينا ولله الحمد هيئة مختصة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة فإن أملنا في الله ثم فيها كبير لتحقيق الآمال المعقودة على دعم هذا الطريق الفسيح الذي سيفتح مجالا اقتصاديا يسع جميع أبناء الوطن دون استثناء ويعالج مشكلة البطالة الحالية ويستوعب الطاقة البشرية الهائلة المتوقع جاهزيتها لسوق العمل خلال الأعوام القادمة، كيف لا وهذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشكل أكثر من 90% من المنشآت في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، وما أتوقعه وآمله من هيئة المشاريع الصغيرة أن تعمل عليه عند بداية عملها هو كالتالي أولا: اختصار كافة المراجعات الحكومية في مكتب واحد نموذجي بحيث يدخل الشاب أو الشابة الراغبة في الحصول على تصريح لفتح مشروع صغير إلى مكتب واحد أو مبنى واحد يشمل كافة ممثلي الإدارات الحكومية مثل البلدية ووزارة العمل وكتابة العدل والغرفة التجارية ووزارة التجارة والدفاع المدني ووزارة الثقافة والإعلام والتأمينات الاجتماعية وغيرها بحيث ينهي معاملته والتصاريح المطلوبة منه من مبنى واحد وفي وقت قياسي بدلا من مراجعته لكل دائرة حكومية على حدة تستغرق منه إجمالي المراجعات في المتوسط 30 يوما ليستطيع أن يفتتح مشروعه الصغير أو المتوسط.
ثانيا: هو ضمان التمويل الذي يطلبه مالك المشروع من البنوك التجارية وتحفيز وحث البنوك على فتح أبواب التمويل المالي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بما لا يضر الطرفين ويكون بعد عدة دراسات لجدوى المشروع وخطط لإنقاذه من التعثر عند مواجهته لأي عوائق قد تجعله يخرج من السوق ويفلس ومن ثم يعجز عن السداد. ثالثا: هو تقديم خدمة الاستشارات والتدريب ودراسات الجدوى لملاك المشاريع، وذلك لما له أثر كبير على رفع مستوى الإنتاجية ومساعدتهم على الاستمرارية والتوسع الهادف وخلق الفرص الوظيفية.
متفائل جدا بهذه الهيئة الحديثة، وذلك لما أترقبه من نتائج مبشرة بخير كبير يستفيد منه كل شباب وشابات هذا الوطن إثر ضخ مشاريع صغيرة ومتوسطة واعدة بإذن الله.