بينما كرّمنا سبحانه وتعالى بحُسْنِ خُلق رسولنا لنتشرف بأن نكون خير أمة أخرجت للناس، وأعزنا الإسلام بسماحة ديننا لنفتخر بأننا أول من أعتق الإنسان، واجتث شأفة الإرهاب من جذوره، وأنزل العقاب الصارم بأصوله وفروعه، تسعى بعض دول العالم اليوم، بسبب عصابة الخوارج المارقين، إلى إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام، متجاهلا إبادة نصف مليون مسلم على يد الحملات الصليبية، ومليون على يد المغول، و3 ملايين خلال الاستعمار الأوروبي، وأكثر من 5 ملايين مسلم على يد القيصر الروسي، ومليونين في الصين وفيتنام وكمبوديا وبورما والهند وكشمير والبوسنة وكوسوفو وألبانيا، وأكثر من مائة ألف مسلم على يد الاحتلال الصهيوني.

ونتيجة للخلط بين الحق والباطل أصبحت أمتنا الإسلامية اليوم تعاني من حقبة خطيرة لا تحسد عليها، وسمعة سيئة ملفقة لا تحمد عقباها.

ففي الوقت الذي تؤكد التقارير الدولية أن الهجمات الإرهابية حول العالم في تصاعد غير مسبوق، وبلغت خلال العام الحالي أعلى مستوياتها تاريخيا، أخفقت هذه التقارير في لفت انتباه العالم إلى جرائم القتل حول العالم التي فاقت 468 ألف جريمة في العام الماضي، اُقتُرِفَ %31 منها في أميركا الشمالية والجنوبية، و%36 في أفريقيا، و%27 في آسيا، و%5 في أوروبا.

وبينما طالت الهجمات الإرهابية 161 دولة في جميع أنحاء العالم، وازدادت بنسبة %80 خلال 2014 مقارنة بالعام الذي سبقه، إذ ارتفع عدد قتلى الإرهاب في العام الماضي إلى أكثر من 32 ألف شخص، إلا أن التقارير الدولية أغفلت التأكيد على أن التنظيمات الإرهابية، المكونة من 86 جنسية حول العالم، تتحمل مسؤولية أكثر من نصف عدد القتلى ليتعرض ربع سكان العالم من المسلمين إلى الاستهداف العنصري بشكل أو بآخر من الشعوب الأخرى في مختلف أرجاء المعمورة.

ونتيجة لانقلاب موازين العدل والإنصاف، تجرأت منظمات حقوق الإنسان على انتقاد السلطات العربية والإسلامية لقسوة أحكام أنظمتها الهادفة إلى اجتثاث شأفة الإرهاب، بينما أغمضت أعينها عن تعسف أحكام مكافحة الإرهاب الغربية وما نتج عنها من الإضرار بسمعة شعوب العالم الإسلامي. واليوم تتمادى هذه المنظمات لتحتج على عدد سجناء الحق العام في دول الخليج العربية، بينما تتجاهل ارتفاع عدد سجناء الدول الغربية المتشدقة بحقوق الإنسان إلى 4 ملايين سجين، تعادل %55 من كل سجناء العالم، إضافة إلى معتقلي سجن "جوانتانامو" الذين وصل عددهم إلى 166 سجينا، منهم 48 معتقلا لم توجه لهم تهمة واحدة إلى يومنا هذا، ولم يخضعوا للمحاكمة رغما عن مضي أكثر من 12 سنة على اعتقالهم.

وحتى لا تلصق بأمتنا الإسلامية تهمة الإرهاب زورا وبهتانا نتيجة أفعال عصابة محدودة من الخوارج المرتزقة والفلول المارقة، يتوجب علينا التحرك فورا لتوضيح مواقفنا من الإرهاب، وفضح أصوله وتحييد فروعه، وتسليط الضوء على داعمي شأفته وممولي عصاباته، خلال الخطوات التالية:

أولا: أن تبادر المملكة، بحكم مكانتها في العالم الإسلامي، بالدعوة إلى عقد قمة استثنائية لقادة الأمة الإسلامية في مكة المكرمة، وبمشاركة علماء الفتوى في كل دولة، لتعريف الإرهاب من المنظور الإسلامي الجلي الواضح، والتأكيد على سماحة الإسلام وإيمانه بالأديان الأخرى، وإصدار الفتوى الجماعية الموحدة بتجريم الإرهاب ونبذ التكفير والطائفية. وتقوم هذه القمة أيضا بإصدار بيان من علماء المسلمين لمطالبة دول العالم والمنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، بالحد من استخدام كلمة الإسلام في تعريف "دولة الإسلام للعراق والشام" والاستعاضة عنها بتعريف "عصابة الإهاب". وستؤدي هذه القمة حتما إلى كشف الغطاء عن مواقف الدول الراعية للإرهاب مثل إيران وإسرائيل وعصاباتهما المنتشرة في دول المعمورة.

ثانيا: أن تبادر منظمة العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية برفع مذكرة رسمية إلى منظمة الأمم المتحدة لإصدار قانون دولي يطالب كل دول العالم ووسائل إعلامها المختلفة بتجريم إلصاق تهمة الإهاب بالأديان، وذلك تنفيذا لقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والصادر برقم 7/19 وتاريخ 27 مارس 2008، بشأن مناهضة تشويه صورة الأديان، والذي أعرب في فقراته عن: "عميق قلق مجلس حقوق الإنسان إزاء محاولات ربط الإسلام بالإرهاب والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان".

وهذه الخطوة ستؤدي أيضا إلى إحكام قبضة الدول العربية على ألاعيب إيران وتدخلها السافر في الشؤون العربية، وتحجيم فلولها الإرهابية المنتشرة في أرجاء الوطن العربي.

ثالثا: أن ترفع مؤسسات حقوق الإنسان في العالمين العربي والإسلامي مذكرة موحدة إلى المنظمات الدولية لمطالبتها بعدم تطبيق الازدواجية في المعايير القانونية لحقوق الإنسان، وإقناعها أن القصاص من الإرهابي عند ثبوت تورطه ومشاركته في فلول الخوارج هو أكثر إنسانية وأفضل حلا من الرفق به ومنحه الفرصة السانحة لقتل المئات من الأبرياء العُزَّل، كما حدث في فرنسا وبلجيكا مؤخرا. وتأتي هذه الخطوة تنفيذا لمعاهدة حقوق الإنسان التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948، وتطبيقا لإعلان فيينا، بشأن الجريمة والعدالة لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، والمنعقد في فيينا بتاريخ 10 أبريل من عام 2000.

على أمتنا الإسلامية أن تحزم أمرها وتتصدى لتهمة الإرهاب التي لم تنبذها وتحاربها، وعلى أمتنا العربية أن تصحو من سباتها العميق لتجمع شتاتها وتتقي أشرار الطامعين في ثرواتها، والمتهافتين على زرع الفتن بين مجتمعاتها.