"رُب كلمة قالت لصاحبها دعني"، هذا ما ينطبق على ما تفوه به الأسبوع الماضي، ولي العهد الأردني المعزول، الأمير الحسن بن طلال، خلال مقابلته مع قناة فرانس 24 الإنكليزية، إذ لم يتورع عن المغالطة وسوق التهم ضد دول الخليج بأنها تمول تنظيم "داعش". رفض الأمير الحسن رواية الصحافي البريطاني روبرت فيسك بأن تمويل "داعش" يأتي من الجباية والسيطرة على بعض آبار النفط، موجهاً سهامه تجاه دولا خليجية لم يسمها!

لم يحدد الأمير الأردني السابق الدول الخليجية التي يتهمها مشددا في تساؤله: "إن لم تكن دول الخليج فمن يفعل ذلك"؟ ومن يعرف الحسن وما يردد في القاعات المغلقة وعند بعض أصدقائه يعرف من يقصد بذلك، فقد اعتاد القفز على الحقائق ورمي التهم جزافا!

اتهام الحسن لدول الخليج بأنها تمول "داعش" هو بمثابة استغلال سياسي للحظة إنسانية مأساوية بدون دليل ولا برهان، متجاهلا إرهاب "داعش" وتهديداته للدول الخليجية، بل إن "داعش" يكفر السعودية ودول الخليج بقضها وقضيضها ويراها عدوا لدودا له، وهذا موثق بالصوت والصورة! وحبذا لو سأل نفسه بصدقية: هل يعقل أن تمول دول الخليج أو تتصالح مع من يهدد أمنها واستقرارها ومصالحها؟ هل يعقل أن تدعم من يفجر في مساجدها ومنشآتها الحيوية ويقتل أهلها ويرسل الانتحاريين لاغتيال رجال الأمن وينفذ عمليات إرهابية ضد القطاعات العسكرية والمدنية ويسعى إلى إسقاط الدولة ونظام الحكم فيها لإعلان دولة الخلافة المزعومة؟

هل نسي أم تناسى الأمير الحسن أن مقاتلات دول الخليج تشارك في شن الغارات على "داعش"، في العراق وسورية ضمن قوات التحالف الدولي منذ عام، بل كانت من أوائل الدول المشاركة في العمل العسكري ضد التنظيم. اللافت أنه خلال تلك المقابلة لم يتطرق إلى أفعال إيران وإرهاب ميليشياتها في سورية والعراق ولبنان واليمن وتحويلها إلى ساحة صراع طائفي، لكن يبدو أن عزله قبل بلوغه كرسي السلطة أعمى عينيه عن الحقائق وحقيقة ما يجري في البلاد العربية!

ما قاله الأمير الحسن يمثل تزييفا وتضليلا، وكان الأجدر به تحليل المعلومات الموثقة والتقارير الدولية الرصينة التي تناقض ما يقول، وليس ممارسة التضليل لتشويه دول الخليج انسياقا مع مزاعم إيران، في وقت يعلم العالم أن سياسات بشار الأسد وحليفته إيران من مسببات جلب وجذب الجماعات المتطرفة، سواء التي معه أو ضده، بعد أن ظل يحارب شعبه بأسلحة فتاكة تقتل الأطفال والنساء بلا رحمة، وتهدم المنازل فوق رؤوس أهلها، وتدفن قرى كاملة، وتنفذ المذابح بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية.

ولماذا لم يتساءل عن أسباب متانة العلاقات بين إيران وجماعات العنف والتطرف وأهدافها من وراء إنشاء تلك الميليشيات المسلحة من لبنان إلى أذربيجان؟ ولماذا لا تزال تستضيف قيادات "القاعدة" في طهران، وتمول وتسلح ميليشيات عراقية ولبنانية ويمنية وأفغانية؟ هل يعتقد أنها تهدف من وراء ذلك التسمين المجاني لتلك العصابات إلى سلام المنطقة واستقرارها أم ماذا؟! وهل ما تقوم به ميليشيات إيران في البلاد العربية هو توزيع السجاد أم السلاح والإمعان في القتل وتفجير البلدان وتهجير السكان؟!

يعلم الحسن جيدا أن السعودية وحدها من أكثر دول الإقليم والعالم تضررا من إرهاب "القاعدة" و"داعش" ومن على شاكلتهما، ولولا قوة الدولة وقبضتها ويقظتها لأصبحت كتلا من الزلازل والنيران، عطفا على حجم العمليات الإرهابية التي تم إفشالها قبل تنفيذها.

من حق الأمير الحسن أن ينتقد ما لا يعجبه من السياسات والمواقف الخليجية، لكن يفترض أن لا يسوق الأكاذيب والمغالطات بهدف التحريض ضدها بما يشابه التحليلات الاستعدائية في الإعلام الغربي ضد السعودية بعد هجمات 11 سبتمبر.

الدول الخليجية منظومة واحدة وكتلة صلبة في وجه الإرهاب، وتعاونها ومواقفها الدولية معلنة، حتى وإن حاول التذاكي باستخدام "بعض"، ولو بحث عن عدد العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف لندن، التي كان يتحدث من أستديوهاتها خلال المقابلة، لعلم أن الرياض كانت السباقة في تزويدها بمعلومات أدت لإنقاذ أرواح المئات من البريطانيين. وأيضا ليته يسأل الأمانة العامة للأمم المتحدة عن الدولة التي اقترحت إنشاء مركز عالمي لمكافحة الإرهاب وما زالت تدفع في هذا الاتجاه. ومن هي الدول "المترددة" في شأن ذلك، ومن هي الدولة التي قدمت دعما ماليا ومعنويا غير محدود لإقامة المركز وتفعيل التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. أليست السعودية؟!

إذ كان لديه مسألة خلافية مع بعض الدول الخليجية، بشأن موقفها من جرائم نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري فهذا شأن آخر، لكن عليه أن يتذكر أن السعودية ودول الخليج أول من دعم الأسد عند تسلمه الحكم، وأودعت هذه البلدان المليارات في المصرف المركزي السوري، وهو ما لم تفعله غيرها، ووقفت إلى جانبه في أزمات ومواقف عدة، وحاولت إقناعه في بداية الثورة السورية بأن يقوم بحلول مرضية للشعب، ولكن بعد أن أمعن في سياسة القتل والتنكيل، كان لا بد من موقف واضح لإنقاذ شعب عربي شقيق من بطش آلته العسكرية وميليشيات إيران الإجرامية، وهو ما يؤكد أن موقف دول الخليج من الأزمة السورية قبل التدخل الإيراني لم يكن طائفيا، بل هو سياسي حولته رخاوة مجلس الأمن الدولي إلى استثمار إيراني على غرار ما يحصل في العراق ولبنان!

هذا الرد ليس موجها إلى الأمير الحسن وحده، بل إلى النوائح المستأجرة من عرب وغيرهم، الذين لا يتأخرون في الاصطياد والتلفيق، سعيا إلى تشويه صورة الدول الخليجية وربطها بالإرهاب عبر الفبركة والكذب وادعاء معرفة شؤون المنطقة، علما أن هؤلاء يخرسون كلما نفذت عمليات تفجيرية في الدول الخليجية، وسننتظر ماذا سيقولون عند تنفيذ السعودية الأحكام القضائية ضد الإرهابيين قريبا.

الأكيد أن دول الخليج ليست دولا مثالية، بل لها ما لها وعليها ما عليها، لكنها تحارب الإرهاب بشراسة، وما تفوه به الحسن من مغالطة ومحاولة تشويه يوضح حقيقة ما في نفسه تجاهها، أما دول الخليج فلا شك أنها تواجه تحديات وضغوطات كبيرة، وعليها العمل والاستمرار في حربها على الإرهاب ومكافحتها للتطرف، بعد أن جعلتها ظروف المنطقة العربية في خط الدفاع الأول، وستنجح ككتلة واحدة متى ما تعاملت مع تلك الهجمات بأعصاب فولاذية وسياسات موحّدة، تلجم مغالطات المتربصين والمغشوشين وجوقة المضللين.