من يتابع التداعيات التي أعقبت إغلاق بعض القنوات الفضائية التي تصنف نفسها في خانة "الدينية"، يلحظ أن الكثير مما كان يقال حول الهدف المادي ـ الأول والأخير ـ لهذه القنوات، أصبح واقعا مكشوفا وباعتراف القائمين على بعضها. ولعل أبرز ما قرأته هنا في "الوطن" التصريح الشجاع والشفاف لنائب رئيس مجلس إدارة قناة "الناس" علي سعد الذي أشار فيه إلى أن القناة ستغير جلدها بعد الإيقاف لأنها "ذات هدف تجاري بحت". وهذا أبلغ رد على من بالغ في الدفاع عن هذه القنوات حتى وصل الأمر لدى البعض إلى اعتبار الإغلاق "حربا على الإسلام" على الرغم من أن المطلعين على كواليس القرار ربطوه بجوانب سياسية منها ما يتعلق بجانب الانتخابات في مصر، حتى وإن جاء في رداء "تجاوز هذه القنوت للتصريح الممنوح لها".

الأهم هنا، أن هذه القناة بالذات ومعها قنوات مثل "الخليجية" بدأت كقنوات عامة تبث الأغاني والفقرات الترفيهية، ومن الواضح أنها لم تحقق الإيرادات المالية المطلوبة ربما بسبب "زحمة سوق العري". فرأى القائمون عليها أن تعلن "التوبة" وتلبس الغترة بدون عقال، وتطيل اللحية، فهذا هو السوق المربح، في مشهد درامي نسخة طبق الأصل من حلقة "طش سات" التي عرضت ضمن مسلسل "طاش ما طاش 15".

التحول الذي طرأ على قناتي "الخليجية" و"الناس" لم يحد بأي شكل من الأشكال عن مراحل قناة "طاش سات" التي بدأت "راقصة" وانتهت "تائبة". ولكن المذهل هنا أن الواقع زاد عن الدراما ـ التي يفترض أنها تبالغ ـ فلم تصل الحلقة إلى تصور أن مجرد الإغلاق المؤقت سيقلب التوجه رأسا على عقب، ويجعل نائب رئيس مجلس الإدارة يعلنها صريحة بأن "الهدف تجاري بحت". وللإنصاف فإن تصريح مثل هذا لا يمكن وضعه إلا في خانة الشجاعة الأدبية النادرة في عالمنا العربي. والحقيقة أن ما يحصل من صراع بين تيارات فكرية واجتماعية في المملكة وخارجها كان ساحة "لعب" فضائي، يعتمد على تقمص دور أحد الأطراف الذي يُراهن على أنه سيجلب أكبر عدد من (المريدين/ المشاهدين)، وبالتالي تكوين قاعدة (جماهيرية/ مالية) من جيوب هؤلاء، وعندما يحصل تطور عكسي، ويثبت السوق أن الطرف الآخر أصبح الأقوى، فلا حرج في الانتقال من اليوم التالي إلى "اللوك الجديد"... وكله تمام يا أفندم"..!!