كليات الشريعة في المملكة العربية السعودية تصل إلى تسع كليات، تضخ آلاف الطلاب الذين ضاقت بهم سوق العمل في بداية الألفية وتضخمت الأزمة في منتصف 2005م، بعدها انصرف كثير من الشباب بشكل مفاجئ عن هذه الكليات لاسيما بعد تصريحات متزايدة من بعض المسؤولين بعدم حاجة سوق العمل إلى التخصصات الشرعية ومنها ما قاله مدير جامعة جازان وصرح به لصحيفة عكاظ بأن سبب عدم فتح كلية للشريعة وأصول الدين هو عدم وجود حاجة في سوق العمل، والسوق متشبعة بمثل هذه التخصصات، ولعل الاكتفاء الذي حصل في السوق ليس لأن السوق متشبع بمثل هذه التخصصات بل لأنه كان هناك إغراق للسوق بهذه التخصصات، ولم تكن هناك دراسة متوازنة فكانت فصول كليات الشريعة تعج بالآلاف بدون مبالغة في بعض المدن وهو ناتج عن سببين رئيسيين:

الأول أيديولوجي من خلال تصوير أن العلم مقصور على كليات الشريعة وما عادها ليس داخل في منظومة العلم التي يثاب عليها الإنسان!

والثاني سببه عدم وجود وعي لدى الطلبة بحاجة سوق العمل ولعل الأخير هو الاكثر تأثيرا ولا أدل على ذلك من العزوف الكبير الذي حصل بعد البطالة التي طالت عددا كبير من خريجي هذه الكليات.

واليوم أتصور أننا إذا ما استمرينا على هذه الوتيرة من التنفير والتقليل من شأن التخصصات الشرعية التي تحتاجها قطاعات عديدة في الدولة ابتداء من القضاء والتحقيق والادعاء العام والهيئات والمحاماة والتعليم والعدل وغيرها كثير، قد نضطر إلى استقدام من يسد هذه التخصصات من الخارج! وهو ما أضحت بوادره هذه السنة من خلال العجز الذي تعانيه المدارس الأهلية في مدرسي التربية الإسلامية الذين كانوا يغطون حاجة المدارس الأهلية لكنها هذا العام اضطرت إلى الاستقدام من الخارج لسد حاجة هذه المادة، وهو مؤشر يمكن أن ينعكس في الأعوام القادمة على قطاعات حيوية أخرى كالتعليم والقضاء والعدل والتحقيق والادعاء، وبحسب إحصائية ذكرها الدكتور سعد بن مطر العتيبي الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء فإن المعروض من خريجي كليات الشريعة للعشر سنوات المقبلة هو مايقارب (16000) بينما الطلب يفوق (116000) وهذا يعني أن هناك عجزا في هذا التخصص يزيد على المائة ألف خريج!!

لذا من المفيد إعادة قراءة حاجات سوق العمل كل خمس سنوات وإصدار كتيب يحتوى على حاجة السوق من حملة البكالوريوس في التخصصات التطبيقية والإنسانية، ولعل الطفرات التي تمر بها المملكة لا تدخلها في دوامة التخبط في إدراك حاجاتها ومراجعة خططها والقدرة على إجراء تقييم مستمر لحاجاتها في القضاء على البطالة التي باتت تشكل أكبر الأخطار التي تهدد المجتمع السعودي.

وإذا ما أردنا لكليات الشريعة الاستمرارية في دعم سوق العمل فلا بد من توافق مقررات هذه الكليات وخططها الدراسية مع حاجات سوق العمل من حيث أهداف تأهيل خريجيها في العلوم الشرعية، ومع مجالات العمل التي سيقدمون إليها، ولعل من المؤسف القول إن كليات الشريعة في المملكة تفتقد إلى هيئة أكاديمية ذات صفة مرجعية للتخصصات الشرعية، تتولى تحديد العلوم والمعارف اللازمة لتأهيل الخريجين، والحدود والتي تحتاجها مؤسسات الدولة والقطاع الخاص على حد سواء.

ولكون هناك حاجة كبيرة في تخصصات الأنظمة والقوانين التي تعتمد على كليات الشريعة والقانون في الجامعات السعودية فما المانع من استحداث تخصصات دقيقة من خلال الدمج بين كليات الشريعة والقانون؟