أخجل كثيرا حين أضيف للنقاط التي وضعها الكاتبان المتألقان لدواعي تزعزع حُب العمل عندنا من نهب للفرص وعدم تربية هذا الحُب في النشء وغيرها، ولكن من باب الاستفاضة لا أكثر.. هل نحن شعب يحب العمل؟ هكذا ابتدأ الكاتب غسان حامد يتساءل في أحد مواضيع كتابه (ماذا حدث للسعوديين؟)، ثم أجاب "أشك نحن فعلا شعب أبسط ما يقال عنه أنه لا يحب العمل، وظهرت أخيرا إحصائيات غير رسمية تفيد بأننا من أكسل شعوب الأرض، وقد اشتهرنا أخيرا بكثرة الإجازات وبظاهرة "ضم الإجازات"، وبإمكانك سيدي فتح نافذة منزلك على كورنيش (الخبر) لترى السيارات تجوب الشوارع للتنزه ليلا بعد منتصف الليل، في أي يوم من أيام الأسبوع فهي سيان، ولا يوجد أي مظهر يفيد بأن اليوم اللاحق هو يوم جد وعمل.

 وقد التقيت بأناس في أواخر الثلاثينيات من العمر يتمنون العيش بلا عمل في أي بلد ما بصحبة (شيشة)...". ثم طرح أسبابا لما اسماها بالكارثة الأخلاقية وضعها في نقاط نختصرها في عدم زرع الحب للعمل لدى الأبناء منذ الصغر، وأن العاملين لربما يعملون في غير الوظائف التي يحبونها.

أما في أحد مواضيع كتاب (كخه يا بابا) فقد انتهى الكاتب عبدالله المغلوث وهو يقول "عندما يصل أحدنا إلى مواقع المسؤولية لا يجب أن نسألهُ كم إنجازا ودورة تدريبية أحرزت، بل كم كرسيا حجزت ومشلحا حملت" أتعلمون لماذا؟ لأن حراس الكراسي يقومون بمسح شامل وسريع للمقاعد الرئيسية ثم يحددون المقاعد التي يسهل السطو عليها كالخاصة بالأكاديميين والأجانب (فهم الحلقة الأضعف) في مجتمعنا ثم يسارعون في أخذها عنوة، متسلحين بمشالحهم الباهظة، وملامحهم الناشفة وهذا ما يعكس ما يقومون به في الخفاء عندما ينهبون فرص وحقوق الآخرين لمصلحة مديرهم، مستغلين الطيبة والتسامح اللذين يسكنان من حولهم.

 أما النقطة التي سأضيفها فهي سِمة أولى ومصنفة كأيديولوجية ثابتة في دليل المفاهيم السعودية، يكاد لا يبهت ولا يخفت بريقها وإن استخدم حيالها حتى أمهر الصنوف "الواسطية" السحرية، من تقبيل الخشوم وشبيهاتها والقادرة على القفز فوق أعتى القوانين وهي "التسويف".. فحين انتهت أمطار مدينة جدة الأخيرة ومضى عليها وقت بعيد، بعيد جدا، بحيث قاربنا على نهاية فصل الشتاء وعبر "شهرين كاملين" على التمام والكمال لآخر قطرة ماء لأمطار ذلك اليوم فوجئنا أن بعض سكان أحياء مدينة جدة ما زالوا يشتكون للحظة من تجمع الأمطار إلى هذه اللحظة أمام منازلهم وداخل أحيائهم! نعم إلى هذه اللحظة ما زال يشتكي أهالي حي الأصالة من تجمع المياه الراكدة وانتشار البعوض والخوف من تفشي الأمراض كحمى الضنك وغيرها، وكذا يشتكي مواطنون ومقيمون في أبحر الشمالية من كثرة البرك والمستنقعات المتكونة من بقايا الأمطار الأخيرة والتي أمست مرتعا خصبا لجميع الحشرات بنوعيها الطائر والزاحف، فيما اكتفت الأمانة "بتصريف اتصالات المتضررين"، بدل صرف هذه التجمعات وإرسال بعض الفرق لنشر المصائد للفئران المتجولة حول البرك، وترك الباقي للتسويف وعلى هبة الشمس لتمارس تصريفها الطبيعي بالتبخير. وهذا أبسط الأمثلة للأيديولوجية التسويفية، ونكتفي بها وإن كانت الأمثلة كثيرة في باقي المحافظات.

 أخيرا يقول أحدهم جامعا كل هذا في بيت واحد: قدم لأهوال المآب متابا.. واعمل فما التسويف منك صوابا.. فإلى متى والعمر لمحة بارق.. تلهو ويوعظك النصيح فتأبى..