من المراجع والمصادر القليلة التي وجدتها في حوار مباشر تلقائي مع الدكتور أحمد القاضي، مقابلة مع أحمد منصور على قناة الجزيرة، والتي أوضح فيها الدكتور أحمد القاضي مفهوم الطب المرشد، فهو يصف الطب الإسلامي بأن فيه هداية ربانية، وفي هذا الهدي رحمة الله بالعالمين، ويوضح أن العلم المُرشَّد غير العلم البشري الذي قد يكون مُرشَّداً وقد لا يكون.
الطب الإسلامي أكثر من مجرد طب مكمل، بل إن الطب الحديث قد يكون فيه شيء من الضرر إذا اختفى منه عنصر الهداية، ويضرب مثلا لذلك (قليل الخمر) فقد يجد الطب أن فيه منفعة مثل رفع نسبة الكوليسترول الجيد، وبذلك قد يشجع عليه، ويأتي القرآن الكريم فلا ينفي أن فيه منافع، فيقول الله تعالى عن الخمر "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ". إنه الترشيد، إنه الطب المُرشَّد، ويؤمن الدكتور القاضي إيمانا عميقا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان موجها في حياته كلها، ونمط معيشته كان موجها ليكون لنا بمثابة قرآنا يدب على الأرض، فعلى سبيل المثال لم يكن طعامه من منطلق اختياره البشري البحت شأنه شأن باقي البشر، ولكن طعامه كان من منطلق توجيه رباني ليصبح القدوة الفاعلة العاملة للإنسانية جمعاء، ويشرح أن هذا التوجيه الرباني قد يكون بطرق مختلفة، فإما بالوحي المباشر أو بتوجيه حواسه وغرائزه، ومثال ذلك لما ذهب وهو صغير يلهو فأرسل إليه الله سلطان النوم وتكرر عليه الأمر في كل مرة، حيث يغلبه النعاس والنوم ويصرفه عن الغناء واللهو.
فعنصر الهداية في مدرسة القاضي للاستشفاء؛ عنصر إضافي في الطب الإسلامي، ويضرب مثلا بطريقة غذاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فمعظم طعامه من نبات الأرض، ولو أنه كان يأكل اللحم ويستلذ به، ولكن ذلك يكون في المناسبات فقط (الولائم والعقيقة والاحتفالات والأعياد). ويؤكد القاضي أننا وصلنا بهديه النبوي إلى مفهوم الغذاء السليم الذي يتكون أساسا من حوالي 90% نباتي و10% حيواني، ويبين أهمية الطعام ودوره الكبير في صحة الإنسان اعتمادا على طبيعته، فهذا الحدث أو الغذاء الذي يتكرر كل يوم بضع مرات، فإنه بالتكرار يتضاعف الأثر الإيجابي أو السلبي له. وتوصل القاضي لحساب المعدل الصحي للتقسيم الغذائي، فمن 21 وجبة في الأسبوع، خلص إلى أن وجبتين فقط ينبغي أن توجد فيهما مواد حيوانية، و19 وجبة لا بد أن تكون نباتية خالصة.
وفي إطار إيضاح واستكشاف البعد الاستشفائي من الطب الإسلامي المرشد، كان للقاضي بحث عن التأثير الإيجابي للصيام على الجهاز المناعي والجهاز الدوري، وعلى وظائف القلب والجهاز الهضمي، وكذلك على الجهاز التناسلي والجهاز البولي، حيث أثبت أن هذه التأثيرات المفيدة للصيام سجلت على المستوى الوظيفي للخلايا والأنسجة، وأكدت بالدراسات الكمية والمعملية. استطاع القاضي أن يبدأ في تكوين برنامج علاج قائم على تغيير أسلوب الحياة، سواء من الطعام والشراب أو الحركة والرياضة أو طريقة التنفس الصحية أو تغيير نمط التفكير بالتفاؤل والنظرة الإيجابية والعوامل النفسية والإيمان بالشفاء، والتي كلها وسائل أثبت العلم اليوم أهميتها وأكد على تأثيرها الإيجابي في أبحاث علمية موثقة من جامعات علمية رائدة، ولكن القاضي سبقهم لذلك. وبهذا المفهوم قدم القاضي برنامج علاج مناعيا شموليا للمرضى الذين وصلوا إلى مرحلة عدم الاستجابة لأي دواء علاج ضد السرطان لتحقيق المستحيل من شفاء المريض الذي كان يظن أن علاجه مستعصٍ واستطاع أن يقدم نتائج مذهلة (يقول: وجدنا أن نسبة 29% من المرضى المفقود الأمل في شفائهم ويتوقع موتهم في أقل من 6 أشهر، عاشوا من 5 سنوات إلى 12 سنة أي بمتوسط 8.9 سنوات، وهذه النتائج أفضل من نتائج الطب الحديث في أفضل مراكز العالم في أميركا الشمالية أو أوروبا على مستوى التعمير لهذه الحالات الميؤوس من علاجها).
الدكتور القاضي أول من أوجد العلاقة بين الحبة السوداء والجهاز المناعي، تأكيدا لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحبة السوداء وقدرتها على الاستشفاء. وأول من توصل باستخدام الأجهزة الحديثة إلى الآثار الإيجابية الاستشفائية العلاجية لسماع القرآن الكريم وتأثيرها على الجهاز العصبي والقلبي والصحة بشكل عام. وقد أجرى القاضي تجربة في عيادات (أكبر) في مدينة بنما سيتي بولاية فلوريدا عن الآثار العلاجية لسماع القرآن الكريم، ووثقها في بحث قدمه في المؤتمر العالمي الثالث للطب الإسلامي في إسطنبول 1983.
لقد أدرك الدكتور القاضي مدى التلوث الذي يعيشه إنسان اليوم، ففي مقابلة له في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة أكد على ذلك في قوله: إننا نعيش حقا في أجواء ملوثة.. تلوث كيميائي وتلوث فكري، وأوضح أن التلوث الفكري هو كل الأفكار السيئة السلبية التي تؤدي إلى المشاعر السلبية، واستعمال كلمة تلوث هو استعمال دقيق، فالإنسان المعاصر معرض للتلوث في طعامه وشرابه وهوائه، ومعرض للتلوث في أفكاره عبر أجهزة الإعلام المختلفة أو عبر تفاعله. وأكد أن الهدي النبوي يأمرنا بالتخلص من المشاعر السلبية بعدة طرق، إما بالنهي المباشر مثل (لا تغضب)، (لا تحزن)، (لا تهن)، أو بالدعاء في قوله: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن)، أو مقترنا بأمر مكروه مثل قوله: (قل موتوا بغيظكم)، فقرن الغيظ بالموت، كما قرن اليأس بالكفر في قوله (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). وعندما سئل الدكتور القاضي عن طريقة التخلص من المشاعر السلبية أجاب (بتعميق الإيمان بالمفاهيم الإسلامية والعمل بها).
يتعلم الإنسان كيف يعيش.. كيف ينظف جسمه، كيف ينظف عقله، وبذلك يتحقق الشفاء بإذن الله، وعندما سئل الدكتور القاضي عن سبب إنشائه المعهد العالمي للطب الإسلامي أكد على أهداف المعهد من بحث وتجميع تاريخ الطب الإسلامي، وتكوين تعريف للطب الإسلامي وعلاقته بالطب الحديث وتعريف أهدافه وكيفية تحقيقها، بالإضافة إلى التعريف بكيفية تطبيق الطب الإسلامي بشكل عملي في الحياة اليومية، وتجميع كل ما يتعلق بالطب الإسلامي وإنجازات الأطباء المسلمين في نصوص ومخططات وملفات ورسومات لتكوين مكتبة ضخمة يرجع إليها العلماء والباحثون والطلاب والأطباء والممارسون. ومن أهداف المركز تشجيع الأبحاث ذات الهوية الإسلامية في مجالات العلوم الطبية الأساسية والإكلينيكية والبحثية، وتكوين سجل يشمل أطباء المسلمين المعاصرين في شمال أميركا والعالم بتخصصاتهم وأسمائهم في الطب الحديث. وأكد أن المعهد استطاع تكوين مكتبة طبية ضخمة تضم عددا كبيرا من الكتب والدوريات المتخصصة في المجالات الطبية، خاصة فيما يتعلق بأبحاث الطب الإسلامي.
ومما يحسب للدكتور القاضي شجاعته وثقته وإيمانه بأبحاثه وآرائه، وتجسد ذلك بعرضه لتلك الأبحاث والدراسات في الكلية الأميركية للأطباء (American College of Physicians) في وقت كان هذا المفهوم غريبا في الأوساط العلمية الطبية، حيث الطب لديهم قاصر على علاج الجسد، بل كان يوصف المفهوم الشمولي لعلاج الجسد والعقل والروح وعلاقة الروح بالجسد بالتخلف والرجعية، ويعادى من قبل أرباب صناعة العلاج والدواء وما زال، ولكن اليوم تتزايد الدراسات والأبحاث التي تكشف خطأ وقصور المفهوم السابق للعلاج وأهمية المفهوم الشمولي للشفاء الذي كان يدعو له القاضي، ومات وهو يحاول نشره، والآن آلاف الأبحاث أثبتت صحة هذا التوجه الشمولي للعلاج والشفاء.