رغم مساعي الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى الظهور بمظهر ديمقراطي، وجولاته الأخيرة في بعض الدول لعقد صفقات اقتصادية، لا سيما مع الصين، إلا أن تحليلات حديثة كشفت أن صعوبات داخلية كثيرة تمنع نظام طهران من تحقيق ذلك، بسبب تعقيدات الوضع الداخلي، وسيطرة المرشد العام والحرس الثوري على الأمور.
قال تقرير حديث إن مشاركة إيران في برنامج مشروعات الصين العملاقة للتنمية الاقتصادية، يأتي في إطار رغبتها في تعزيز مكانتها الجيوسياسية، فضلا عن أهميتها الاستراتيجية، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الطريق أمام إيران ليس سهلا كما تتمنى، لأنها تعاني من مشاكل داخلية خطيرة، مثل الفساد والبيروقراطية وعدم الكفاءة الاقتصادية، فضلا عن خضوع القطاعات الاقتصادية لمصالح خاصة تمنع الاستثمار الأجنبي.
وأوضح تقرير للمحلل السياسي، بيبي اسكوبار، نشر بموقع "تيليسور"، قبل أيام، أن تمكن الرئيس حسن روحاني من عقد شراكة استراتيجية، الأسبوع الماضي، مع الصين، على زيادة التجارة الثنائية إلى 600 مليار دولار، على مدى العقد المقبل، يأتي تزامنا مع رفع العقوبات الاقتصادية التي استمرت لعشر سنوات، ويكشف في نفس الوقت عن رغبة إيران في الانتقام من الولايات المتحدة، كما يتفق مع رؤية بكين باعتبار طهران المركز الأساسي لمواجهة واشنطن، ليس فقط في جنوب غرب آسيا، بل في جميع أنحاء أوراسيا.
وحسب التقرير، فإن واشنطن، أعلنت منذ سنوات عن "محور آسيا والمحيط الهادئ"، كهدف استراتيجي لها، خلال القرن الحادي والعشرين. ولهذا السبب – وخوفا من هيمنة البحرية الأميركية في آسيا، دفعت الصين إلى قبول إيران كعضو كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي والأمني. وهي شراكة استراتيجية تنطوي على دعم مزدوج، تتضمن دعم الصين الكامل لخطط إيران الاقتصادية والسياسية، عبر قوس يمتد من الخليج إلى بحر قزوين، ودعم هذا القوس لاحقا ليشمل مختلف المجالات البحرية والبرية على طريق الحرير الجديد.
عبثية الأزمة النووية
يتطرق التقرير إلى الجغرافيا السياسية لإيران، التي تجعلها مهمة بالنسبة للصين، مشيرا إلى أنه من الناحية الجيوستراتيجية، تقع إيران على مفترق طرق، حيث تربط مناطق متعددة: الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطي وشبه القارة الهندية والخليج، فضلا عن ثلاثة بحار؛ بحر قزوين والخليج وعمان، وهي قريبة نسبيا من البحر المتوسط وأوروبا وعتبة آسيا الحيوية.
وأضاف أنه في ظل هذه الأوضاع عقدت إيران الصفقة مع الصين.
في هذا الإطار أوضح التقرير أنه ربما كانت جولة روحاني في أوروبا، محاولة لإلحاق فرنسا وإيطاليا بالركب الصيني الجديد، وقال إن روحاني استغل الفرصة وسافر إلي روما مباشرة والتقي البابا فرانسيس في اجتماع مغلق، مشيرا إلى أن هذا النشاط المحموم بعد رفع العقوبات الاقتصادية، يؤكد عبثية الأزمة النووية المصطنعة مع إيران من قبل الولايات المتحدة التي لم تتجاهل الواقعية الجيوسياسية لإيران، والتي تتقاطع جغرافيا مع تركيا والعالمين العربي والهندي فضلا عن روسيا.
المرشد بينج
أكد التقرير أن الطريق ليس سهلا أمام إيران لتحقيق رغبتها المحمومة في تعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية، في ظل أوضاعها الداخلية المعقدة، لافتا إلى أن ما يزيد صعوبة هذا الطريق الذي تسلكه إيران هو تقسيم الحكم بين النخب المتباينة، لاسيما رجال الدين والحرس الثوري ورجال الأعمال، فمن غير المتوقع أن يتخلى الحرس الثوري مثلا عن سيطرته على قطاعات حيوية في الاقتصاد الوطني، مما قد يسرع حتما التحول الاجتماعي في إيران ضد مصالح رجال الدين وسلطتهم.
وفي هذا السياق، دعا التقرير لانتظار ما سيحدث خلال الانتخابات البرلمانية في فبراير الجاري، وقال إن اتجاه إيران نحو المستقبل ستحدده نتائج الانتخابات الحاسمة، التي ستسفر عن تشكيلة البرلمان الجديد، والخبراء والمسؤولين الجدد، فضلا عن اختيارهم للمرشد القادم، مبينا أن لذلك عواقب ثقافية وسياسية وأمنية تصب مباشرة في اتجاه الاقتصاد الإيراني، وسيتبين على إثرها أنها مع أو ضد الانفتاح الاقتصادي، موضحا أن هذه الانتخابات ستجيب عن تساؤل بأنها تأتي لإضعاف الأيديولوجية الثورية في إيران أم العكس؟ لاسيما أن دور المرشد في نظر النظام الإيراني حتى الوقت الحالي هو الحفاظ على توازن القوى السياسية في إيران.
وأشار التقرير إلى سيناريو روحاني في اللعبة الدولية، وقال إنه ذهب إلى الصين، وعقد الصفقة الكبرى في برنامج المشروعات العملاقة، بعدما عقد صفقة الاتفاق النووي الذي مكَّن إيران في النهاية من رفع العقوبات الاقتصادية. وهذه اللعبة علي الطريقة الصينية – الإيرانية تضع المسألة الاقتصادية في المستقبل تحت السيطرة السياسية الصارمة لرأس الدولة في إيران، متسائلا في هذا السياق عن طموح المرشد الجديد، وهل أنه ينتظر أن يكون هو دينج شياو بينج، مهندس نهضة الصين الحديثة؟