تمر المجتمعات بمراحل من النماء والتطو تؤثر في سياقاتها ونماذجها القائمة، وتصنع لها واقعا مستجدا يتماهي مع متطلبات العصر وأساليبه، يسري ذلك على المجتمعات بلا استثناء، فينشأ عن ذلك عادات جديدة أو مطورة تأخذ مكانها في بناء التكوين القيمي لكل مجتمع، وعلى هذا الأساس يبدأ تدرج المجتمعات في مساراتها التحديثية والتطورية، إلا أن مراحل التحديث والتطوير قد تصطدم أحيانا بموانع صلبة تقارع طلائع التطور، لتمثل إشكالا قائما أمام اندفاقات التحديث ومتتاليات التطوير، مما يوجب إيجاد الحلول المنطقية لحل إشكالات هذه الموانع، وخلق المرونة الكافية لانعتاقها عن مناعتها السلبية، ولعل من بعض النماذج لتلك الموانع؛ ما يستكنفه المجتمع من عادات تقوم على القدح في الأنساب، وتكريس قيم التعالي بين أبناء المجتمع الواحد، فمع انزياح مقاييس الكفاءة الحديثة إلى التركيز على إنتاجية الفرد، وربط قيمته بما يقدمه من عطاء وإنجاز يخدم المصلحة المجتمعية والفردية، تظل المقاييس القديمة متمحورة حول تاريخية الفرد وربط قيمته بأواصر عصبته وأسلافه، موغلة في الماضي على حساب ما يبرزه الحاضر من إنجازات فردية ونجاحات عصامية، سجلت حضورها المميز في كافة ميادين العطاء.

ومن هنا يأتي القول إن من العوامل الأساسية لنهوض المجتمعات وجود ثقافة راشدة توائم بين مرتكزات المجتمع ومستجدات العصر، وتنحاز لكل ما يضمن تقدم المجتمع، ويعلي من شأنه، وتلك الثقافة المنشودة لا يجوز أن تكون محصورة في أطر التعليم وتطويره فقط، وإن كان ذلك عاملا أساسيا في تقدم المجتمع، بل تتعداه إلى تكريس نظريات حديثة تتمازج مع سياقات المجتمع القائمة ذات التأثير، لتطعّم الجسد المجتمعي بضرورة التركيز على الحاضر، والرفع من قيمة الإنسان، والحرص على جودة الأداء العملي وتطوير المفاهيم التطبيقية، والثقافة لا تأتي اعتباطا أو خبط عشواء دون تدرج منضبط، وفق سياق شامل يبدأ من التعليم بكافة مراحله، ويتوسع ليشمل مراكز التأثير المجتمعي عبر رؤية شاملة تضمن بقاء الثوابت، مع الاستخلاص لعناصر التقدم من كل جديد تثبت منفعته، ليعمل ذلك على استنهاض الهمم والدفع بها إلى تعزيز المشاركة في عمران الأرض، واستكناه ما أودعه الله فيها من خيرات تقع في مدى البحث والاستكشاف.  

قال بعض الحكماء: من العيب أن تفتخر بشيء لم تصنعه، فلا تفتخر بجمالك لأنك لم تخلقه، ولا بنسبك لأنك لم تختره، إنما افتخر بأخلاقك وإنجازاتك فأنت من يصنعها.