قبل بدء المحاضرة بدقائق، فتحت باب القاعة الكبيرة وانسلت من بين الصفوف فتاة صغيرة الهيئة، أنيقة المظهر حازمة النظر، تحتضن كراسة محاضرات بيمينها وحقيبة صغيرة بيسراها، تابعها بعض الحضور متسائلين عن وجود فتاة مثلها لا تشبه البريطانيين الحاضرين، ولا تشبه الإيرانيين المتحفزين للحديث عن الشائك في علاقتهم بالسعودية؟ لكنها لم تتوقف لتجيب عن تساؤلهم، بل اختارت المنتصف وشرعت في تسجيل كل ما يقوله المحاضر والمشاركون، ثم رفعت يدها للرد عن السعودية، فالتفتت نحوها الرؤوس ليتأكدوا أنها فعلا سعودية، فليس من عادة السعوديين، على كثرتهم في لندن كرجال أعمال وطلاب الخ، حضور مثل هذه المناقشات والمحاضرات التي ينظمها سياسيون بريطانيون، بعضهم أعضاء فعلا في البرلمان، بحثا عن الحقيقة الغائبة عنهم في أزمات الشرق الأوسط، والذين تتعدد أنشطتهم وتتميز بترحيبها بأي حاضر يرغب في قول ما لديه، لذا وجدت الإعلامية السعودية الشابة جمانا الراشد أن واجبها الوطني، بعيدا عن أي شيء آخر، يحتم عليها الحضور.

في تلك المحاضرة كررت جمانا الراشد رفع يدها وناقشت بحرارة وبلغة إنجليزية سليمة أثارت دهشتهم لتهمس لها إحدى الحاضرات هل أمك إنجليزية؟ لتبتسم لها جمانا وتنفي ذلك.

في الواقع أن أسئلة كهذه هي محاولة لتفسير هذه الروح القتالية والثقافة العالية التي تجبر الرؤوس الإنجليزية على الالتفات لدرجة عدم التصديق أنها عربية جملة وتفصيلا.

جمانا خريجة علوم سياسية، وحاصلة على درجة الماجستير في الصحافة، وكاتبة صحفية أحيانا، عندما أمر على مقالاتها أجد أن أول من تنبه للحملة ضد المملكة هي جمانا، وأشارت إليها وهي في بدايتها، فنشرت تقريرا في جريدة الرياض بعنوان هل نجحت إيران في إقناع الصحافة الغربية بمزاعمها؟

حذرت فيه من التباطؤ في عدم الرد أو صناعة قوة إعلامية تستطيع تقديم المملكة العربية السعودية كما هي، كما كتبت كثيرا من التقارير التي ناقشت حلولاً مقترحة لهذه الحملة.

هناك عبارة عظيمة لجمانا قالت فيها ردا على إحدى الهجمات ضد المملكة "لا تلبسونا قبعة السذاجة"، عبارة جمانا قصدت بها الإعلام اللبناني، لكنني أجدها مناسبة جدا للإعلام البريطاني الذي حاول، بلا مهنية، أن يتجنب حقيقة ما اكتشفه هاكرز شباب، وأثبتوه بالدليل القاطع عن علاقة بلادهم بحسابات تدعم داعش، فحاول هذا الإعلام إيجاد تبرير مناسب، فوجد أن حكومة بلاده تبيع بعض العناوين للدول الأخرى بلا تحديد، لكنهم قرروا وضع اسم السعودية ليقولوا لقارئهم "حسنا لقد تم بيع هذه الحسابات على دول كثر ومن ضمنها السعودية، لذا ربما كانت هذه الحسابات تنتمي للسعودية".

الغريب أن معظم من أورد التقرير زج باسم المملكة في الموضوع، ولم يهتم بما يسمى في عالم الصحافة المهنية، ليقود القارئ لمعلومات مضللة عن دول تعاني من الإرهاب ومن داعش تحديدا.

لا يجب أن نتجاهل مثل هذه التحرشات الإعلامية، فمعنى ذلك أننا لبسنا حقا قبعة السذاجة، خاصة أن الطريق القانوني مفتوح أمامنا، ونستطيع مقاضاة الصحف بتهمة معاداة السعودية.

إن من السذاجة في عصرنا هذا أن نؤمن بمثل القافلة تسير والكلاب تنبح، بل يجب أن تلتفت القافلة وتذهب إلى المحكمة لترفع قضايا على هؤلاء وتثبت زيف ادعاءاتهم.

من جهة أخرى، يجب أن يسمع الإعلام والساسة صوت السعوديين، وهذا يعني أن يتقدموا لهم لا أن ينتظروا دعوتهم.

في لندن هناك عدة أنشطة ترحب بمشاركة السعوديين، مثل مناسبات أو في الـHouse of Commons أو Chatham House أو ECFR، وإذا راجعنا أعداد السعوديين في لندن سنجد أنها أعداد كبيرة، تجعل من المخجل ألا يحضر أحدهم هذه المناسبات لتقديم المعلومة عن بلادهم، وترجمة رؤية حكومتهم بدلا من أن يقدمها من لديه مواقف ضد بلادنا ويؤلب الرأي العام علينا.

جمانا الراشد هي مصدر إلهام لكل سعودي يعتز بوطنه ويشغله همّ أمنه وسمعته، ويجد أن الرجال الذين يقفون على الحد الجنوبي يجب أن يكون هناك مثلهم رجال ونساء يقفون على الحد الإعلامي.