كتب د. إبراهيم عسيري في هذه الصفحة مقالا اعترض فيه على دعوة الكاتب علي سعد موسى، إلى إيقاف برامج الدراسات العليا في الجامعات السعودية الحديثة، وكانت حجته أن إيقاف الدراسات العليا في الجامعات الحديثة سيؤدي إلى عودة ظاهرة الشهادات الوهمية، حيث قال واصفا رأي علي موسى بالنص: (وهي دعوة صريحة لانتعاش سوق الجامعات الوهمية من جديد التي بدأ يخفت بريقها)، وكلام د. إبراهيم هنا يشبه إلى حد كبير رأي من يدافعون عن ظاهرة تخزين القات في اليمن بحجة أنه يحمي الشباب اليمني من تعاطي المخدرات!.

إن مما ينبغي معرفته أولا أن الدراسات العليا يجب أن تخصص للمميزين من الحاصلين على درجة البكالوريوس ونسبتهم لا تتجاوز 2.5% من إجمالي الخريجين وفقا لهرم الذكاء، وبالتالي فإنه ليس من الضروري إيجاد برامج للدراسات العليا في كل الجامعات، علما بأن برامج الدراسات العليا في الجامعات القديمة كافية بالتكامل مع الابتعاث الخارجي لسد حاجة الجامعات من الأساتذة، أما القطاعات الأخرى فليس من الضروري أن يكون منسوبوها من حملة الماجستير والدكتوراه.

إن برامج الدراسات العليا في جامعات المملكة الحديثة تمثل، دون أدنى شك، ارتجالا وهرولة غير مقبولة، بل أصبحت موضة تتنافس فيها هذه الجامعات فيما بينها في الوقت الذي لم تصل فيه إلى المرحلة المطلوبة التي تتهيأ فيها الظروف اللازمة للدراسات العليا، وهي ما زالت تعتمد بشكل شبه كلي على أساتذة من خارج المملكة، ولم تتشكل فيها الشخصية الأكاديمية، وهذا اتجاه أخطر على مؤسسات الدولة والمجتمع من الشهادات الوهمية، لأن أحدا لم يعترف بهذه الشهادات، بل كانت مثارا للتندر في الأوساط العلمية والاجتماعية، وخطورة الدراسات العليا في الجامعات الحديثة أنها ستنحدر بالمستوى التعليمي الجامعي الذي ينعكس بدوره على مستوى التعليم العام، وقطاعات الدولة المختلفة، وبالتالي الإضرار بالمصلحة الوطنية العليا.

وفيما يخص الجامعات الحديثة التي أنشئت على فروع قديمة، فهي كذلك غير مؤهلة للدراسات العليا حتى الآن سوى في بعض الكليات القديمة ولدرجة الماجستير فقط، وحتى الجامعات القديمة يجب أن تخضع برامجها في الدراسات العليا خاصة للمراجعة والتقييم من وقت لآخر، فالأقسام العلمية فيها قد تمر بمراحل ضعف، وفي هذه الحالة ينبغي إيقاف برامجها أو تعليقها.

ومما ذكر هنا من ملاحظات، فإن إيجاد هيئة مستقلة عن الجامعات، يكون دورها وضع معايير أكاديمية دقيقة لبرامج الدراسات العليا بشكل خاص، والموافقة على إيجاد هذه البرامج، وكذلك تقييم البرامج القائمة، وهي ضرورة ملحة في ضوء الانفلات غير المدروس في برامج الدراسات العليا، حتى نضمن تميز هذه البرامج ونتفادى ظاهرة بطالة حملة الشهادات العليا التي بدأت ملامحها تتشكل.

وفيما يتعلق بمواجهة ظاهرة الشهادات الوهمية، فإن ذلك لا يكون بالتساهل في إيجاد برامج الدراسات العليا في الجامعات الجديدة على حساب الجودة والتميز، وإنما تكون من خلال تطبيق لائحة مكافحة التزوير الصادرة عن وزارة الداخلية.

وينبغي أن نؤكد في هذا السياق أنه لا يمكن لأي خريج مميز ومؤهل للدراسات العليا أن يقبل بالحصول على الشهادات الوهمية، ويوجد خريجون مميزون، خاصة من المعلمين الذين رفضوا الحصول على هذه الشهادات، وكذلك رفضوا الالتحاق بالجامعات غير المعترف بها، ولم يقم بذلك سوى أصحاب المستويات المتدنية علميا وفكريا.