حتى الآن لا أستطيع أن أتجاوز ذلك الظلم الجماعي الذي يعاني منه كثير من الموظفين الشباب في الشركات نصف أهلية ونصف حكومية، هكذا يحدث الظلم "عيني عينك"، فلا يستطيع أحد من الموظفين أن ينطق بكلمة أو يملك التعبير عن غضبه بطريقة سلمية، إنما يكتفي بالصراخ بينه وبين رفاقه في الاستراحة ومجالس العائلة، الأهم أن يكون الصراخ خارج أروقة مكاتب المؤسسة أو الشركة التي يعمل فيها، ثمة اختراق قائم ولا يزال حتى هذه اللحظة يؤكد على عدم مصداقية كثير من رؤساء المؤسسات شبه الحكومية، حينما يحتل أبناء الرؤساء والمديرين والقائمين على إدارتها أهم وأفضل الأعمال، حينما يحظى أبناؤهم بالبعثات لإكمال تعليمهم الجامعي، أو الحصول على دورات في فن القيادة وأحياناً في فن اللهف والعته، ومثل هذه الدورات التي يمكن أن تطول لعام، تكلف المؤسسة كثيرا من الأموال، وعقب ذلك يقرر كثير منهم الخروج من المؤسسة بعد أن حصل على الكثير، إما مسافراً إلى الخارج بعد أن حصل على وظيفه أكثر تميزاً، وإما مهاجراً أبدياً خارج الوطن، فيما يبقى الشباب يقاتلون كل شيء: الوقت والحسرة والأعمال التي لا تتوقف، ومزاجية الرئيس المباشر. يفعل الموظفون الشباب المستحيل بما تقتضيه هذه الكلمة من معنى، كالعمل لساعات طويلة بعد انقضاء ساعات العمل الرسمية، وصولاً إلى محاولة غسيل سيارة الرئيس المباشر حتى يقوم بترشيح اسمه لأي دورة أو بعثة هو في الأساس يستحقها رغماً عن الجميع! لكن للأسف لا يزال أمره تحت النظر والفحص والتأكد من أنه يستحقها!

أمر مؤسف أن يحبط الشباب، أن تذهب الثروات في جيوب أسر وقبيلة المدير والرئيس والمسؤول الذي يتبجح أمام الإعلام بأنه ضد الفساد، وأن الفساد خارج حدود منطقته، خارج حدود مؤسسته، وحتى القطاع الحكومي ليس ببعيد عن مثل هذه الأمور، تطلع إلى بعض المناصب سواء أكانت مهمة أم شبه مغيبة، في إحدى مراكز التعليم كل من يقوم على إدارتها يحملون نفس اللقب الأخير! قطاع الصحة من تتوقعون أنه يبتعث لإكمال تخصصه؟ ومن يتم إلحاقه بعدد كبير من الدورات؟ من المسؤول عن ترشيح الأهم والأفضل والأجدر؟ في الأغلب الوافدون يحصلون على دورات أكثر مما يحصل عليها المواطن أو المواطنة، لا يمكن لنا إغفال أعيننا عن هذا الفساد، ولا يمكن لأحد أن يفتح فمه خوفاً من الترصد له، ومحاربته في لقمة عيشه، هؤلاء المسؤولون الذين يقدمون أبناءهم وأبناء ذويهم في كل ما يمكن أن يليق بمستقبلهم، مؤمنون بمقولة أنا ومن بعدي الطوفان، واثقين أن من سيخلفهم سيقوم بمثل ما قاموا به، يأتي بمن امتلأت جفونه من هوائهم ليتكسبوا من ثروة الدولة، طالما لن يخرج ريالاً واحداً من جيبه!

بعد أن يتقاعد كبار الموظفين سواء في القطاع الحكومي أو في المؤسسات والشركات النصف حكومية، يعمل البعض منهم على تدشين شركة كبيرة، لكنه يأبى أن يوظف أحدا من أبنائه أو حتى من أقاربه وقبيلته، لأنه يريد النجاح لشركته الخاصة، يعلم تماماً أنهم غير جديرين بالعمل الشاق، وكثير منهم يبحث في كشوفه القديمة عن أفضل الموظفين المكافحين والمتطلعين نحو النجاح، والذين للأسف لم يحصلوا على الفرص الكبيرة والتي كانوا الأحق والأجدر بها في عملهم، ويبدؤون في محاولة إغرائهم بالعمل معهم، بينما لم يكن أحد لينظر إليهم بعين العدل، كانوا يتلقون الوعود سنة تلو السنة، حتى تخيب آمالهم وتنفطر قلوبهم، والسبب إدراك المسؤولين أن لديهم القدرة على زعزعة مشاعر هذا الموظف الغلبان، وربما نقله إلى آخر بقعة في المملكة، لأنه قرر أن يفتح فمه، لأنه قرر ألا يبلع الشوكة التي وقفت في منتصف حنجرته.

الأمور كلها سواء، الفساد، أيضاً في الإعلام المرئي، أحياناً تجبر على مشاهدة برنامج، لا تتقن فيه المذيعة الإلقاء أو حتى قراءة الأخبار بالصورة التي يلزم بها المذيعون بشكل عام، ودون أن أخصص أحدا على آخر، لكنك كمشاهد بسيط يمكنك أن تتعرف جيداً من بالواسطة يظهر علينا ويغثنا، ومن عمل واجتهد ليصل، ملت عيني من الملابس الضيقة جداً، والشفاه المنفوخة بإبر الكولاجين، والشعر المستعار، والألوان التي وضعت في ذلك الوجه الذي يطمع فقط في الوصول، أي فساد علينا أن نسكت عنه ونمضي دون أن نقرر، ودون أن يكون لدينا حق الضجر علانية، لماذا تكون أصواتنا مكتومة؟ وحدها أسرنا تتحمل عبء هذا الغيظ اليومي.

مسكين هو المواطن، عليه أن يشاهد ويسمع ويكتم بينه وبين نفسه، يخاف من أن يقول حرفاً واحداً، فيطلب منه أن يمسك الباب، غير عابئين بأن ما قاله هو الحقيقة. مؤلم أن نتحمل مشاهدة كثير من المذيعات نصف المتعلمات، بدعوى السعودة في القنوات الفضائية، لأنها كانت الأكثر جدارة في التملق والوصول أكثر من غيرها، بئس هذا الأسى، هذا المنطق، هذا الصمت الذي يدعنا لا نعرف كيف لنا أن نعبر من دون خوف!