ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كلمته السنوية في مجلس الشورى في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة السادسة للمجلس الشورى، يوم الأربعاء الماضي (23 ديسمبر)، في أول خطاب يلقيه في المجلس بعد توليه مقاليد الحكم في يناير بداية هذا العام. وهي كلمة ضافية تناولت الشأن الاقتصادي والسياسي والأمني.

سأركز اليوم على الجانب الاقتصادي من خطاب الملك، حيث تُظهر القراءة المتأنية ملامح السياسة الاقتصادية الجديدة للدولة، التي تحافظ على كثير من المقومات الماضية لتلك السياسة، ولكنها تؤشر في الوقت نفسه إلى تغيرات مهمة في تلك السياسة في ضوء الانخفاض الحاد في أسعار النفط، والحاجة إلى رفع أداء الأجهزة الحكومية، وزيادة تنافسية الاقتصاد الوطني، ومواجهة العجز في تنافسية القوى العاملة المواطنة.

أعاد الملك سلمان تأكيد مبدأ أن الإنسان السعودي هو هدف التنمية الأول، ولذلك فإن الدولة ستواصل اهتمامها ودعمها "غير المحدود" لقطاعات الصحة والتعليم والإسكان والتوظيف والنقل وغيرها من القطاعات التي تخدم المواطن مباشرة. وأشار إلى أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الماضية أسهم في تحقيق وفورات مالية كبيرة تم استخدامها لاعتماد المشاريع التنموية، وتطوير البنية التحتية، إضافة إلى تعزيز الاحتياطي العام للدولة، مما مكّن المملكة من تجاوز تداعيات انخفاض أسعار النفط، واستمرار مسيرة البناء وتنفيذ خطط التنمية وبرامجها ومشروعاتها، على الرغم من التقلبات الاقتصادية الخارجية.

وأشار خادم الحرمين إلى أسس السياسة الاقتصادية للدولة، بعضها يمثل استمراراً للسياسات الاقتصادية السابقة مثل رفع مستوى الناتج المحلي، وتنمية القوى البشرية ورفع معدلات توظيفها، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية، والاستمرار في المشروعات التنموية الكبيرة في جميع القطاعات، والمحافظة على مستويات منخفضة للدين العام، وتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط بالاستفادة من الموارد الاقتصادية الأخرى.

ولكن ثمة معايير جديدة أكد عليها خطاب الملك، منها رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وضبط الأوضاع المالية عن طريق التوازن بين الموارد والإنفاق، وزيادة عوائد الاستثمارات الحكومية. وهذه المعايير تتضمن تقديراً لعدد من التحديات المهمة التي تحدث عنها الاقتصاديون كثيراً، مثل انخفاض عوائد الاستثمارات الحكومية، وارتفاع عجز الميزانية، وانخفاض كفاءة الإنفاق.

ولضمان تنفيذ هذه السياسات، أشار الخطاب إلى تفعيل دور مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتكليفه بـ"وضع الخطط والسياسات والبرامج" اللازمة لتحقيق أهداف السياسة الاقتصادية، مشيراً إلى أن المجلس سيتولى متابعة ضمان نجاح سير العمل ورفع مستوى الأداء، ولذلك تم إنشاء المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة الحكومية.

لزيادة تنافسية السوق السعودية، أشار الملك إلى عزم الحكومة توفير بيئة أكثر جذباً للعمل والاستثمار للشركات الوطنية والأجنبية عن طريق تبسيط الإجراءات وتسهيل الاستثمار في السوق السعودية، وفتح نشاط تجارة التجزئة والجملة للشركات الأجنبية، سعياً إلى تنويع السلع والخدمات التي تقدم للمواطنين وتوفيرها بجودة عالية وأسعار تنافسية مناسبة، وفتح فرص جديدة للعمل والتدريب للشباب السعودي.

وبالمثل لدى استعراض كل قطاع من القطاعات الرئيسية للاقتصاد السعودي، يشير الخطاب إلى أسس جديدة في كل قطاع. ففي القطاع الصحي، يؤكد الحاجة للارتقاء بمستوى خدماته، وزيادة الكوادر الوطنية فيه، من خلال التوسع في افتتاح الكليات الطبية والصحية ورفع نسبة المبتعثين في التخصصات الطبية. وفي مجال التعليم، أكد العزم على توفير الإمكانات والمتطلبات اللازمة لرفع جودته، وزيادة فاعليته، ورفع مستوى منسوبيه وإكسابهم المهارات المطلوبة، مشيراً إلى تطوير برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بالتركيز على المواءمة بين مخرجات التعليم وحاجة العمل بما يُسهم في سد الفجوة باحتياجات سوق العمل من بعض التخصصات، خاصة الطب وغيره من التخصصات العلمية.

في مجال الإسكان أشار إلى أن سياسة الدولة ستقوم على تشجيع الاستثمار في قطاع الإسكان، وتعزيز دور القطاع الخاص ليكون شريكاً مكملاً لجهود الحكومة، وإيجاد توازن بين العرض والطلب، وتحفيز ملاك الأراضي على تطويرها والاستثمار فيها بما يسهم في سد الاحتياج المتزايد للسكن، وهو ما يهدف إليه نظام رسوم الأراضي البيضاء الذي تم إقراره أخيراً.

في مجال قطاع العمل والموارد البشرية، هناك تقدير للحاجة إلى رفع كفاءة أداء الأجهزة الحكومية وموظفيها، وتطوير القوى العاملة الوطنية، ومما يصب في هذا الاتجاه إطلاق برنامج تنمية الموارد البشرية، وإنشاء هيئة توليد الوظائف، لدعم التنسيق بين جميع الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بسوق العمل، وتعزيز المشاركة بينها، بهدف تنمية القطاعات المولدة للوظائف واستثمار الميزة التنافسية في مناطق المملكة لهذا الغرض، وتأسيس الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، والبرنامج الوطني لدعم إدارة المشروعات في الجهات العامة.

ويشير الخطاب إلى تطور آخر في سياسة المملكة في مجال استثمار القوى العاملة الوطنية، هو تعزيز مشاركة المرأة في التنمية، مشيراً إلى أن المرأة السعودية أثبتت كفاءتها وقدرتها على أداء دورها في مختلف المجالات، ومن ذلك مشاركتها الفاعلة في الانتخابات البلدية التي أجريت أخيراً.

وبذلك تضمن الخطاب مؤشرات عن التحول المتوقع للسياسة الاقتصادية، الملتزم بزيادة تنافسية الاقتصاد السعودي، ورفع مستوى رفاه المواطنين على أسس اقتصادية مستدامة، ومراقبة مؤشرات الأداء مراقبة دقيقة من خلال آليات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.