ركزت إستراتيجية المملكة العربية السعودية في التعامل مع الإرهاب، منذ بداية الهجمات في المملكة عام 2003، على مراجعة الذين تورطوا في تلك الهجمات وتخليصهم من أفكار التشدد المغلوطة، قبل التفكير في محاكمتهم ومعاقبتهم، لذلك انتشرت مراكز المراجعة التي أنشأها في ذلك الوقت الأمير الشاب محمد بن نايف، بدايات عام 2004، فيما أنشئت أول محكمة جزائية مختصة بالنظر في قضايا الإرهاب عام 2008، أي بعد أربع سنوات من مراكز إعادة التأهيل.

هذه خلاصة الاستنتاجات التي خرجت بها الباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، لوري بوجارت في دراستها التي نشرتها في موقع بروجيكت سيندكيت.

وتشير بوجارت إلى أن المملكة نجحت منذ البداية في تقييم الخطر الذي يشكِّله الإرهاب على مجتمعها، وأدركت أنه يستهدف وجودها، لذلك تنوعت أساليب تعاملها مع الإرهابيين ما بين الحزم واللين، فكثير من الشباب الذين شاركوا في تلك الأعمال الإرهابية كانوا لا يزالون في سنوات شبابهم الأولى، واستغلتهم جهات تسعى لنشر الإرهاب في المملكة، لأسباب متباينة، دينية، وسياسية، واستخبارية، ولا ننسى أصابع إيران التي تورطت في دعم الإرهاب.


إيجاد التوازن المفقود

تشير بوجارت إلى أنه بغض النظر عما يقوله البعض بأنه ربما كان من الأسباب الرئيسية لإدراج نمر النمر وثلاثة شيعة آخرين في مجموعة الأفراد السبعة والأربعين هو تحقيق التوازن، إزاء إعدام 43 من السنة المرتبطين بتنظيم القاعدة، إلا أن الرياض أوصلت رسالة واضحة، بأنّه لن يتم التغاضي عن النشاطات الإرهابية، سواء تلك الصادرة عن تنظيم داعش أو غيره. وتمضي بوجارت قائلة "هناك تحديات خارجية خطيرة تُقلق الرياض. ومع ذلك، يبقى الأمن والاستقرار الداخليان على رأس أولوياتها، لذلك فإن عمليات الإعدام أوضحت لجميع أشكال التطرف، بأن الأمن "خط أحمر"، لن تتوانى الدولة عن صيانته وحفظه، بغض النظر عن الشخصيات المتورطة.


 


نزع فتيل التوتر

يرى أستاذ الدراسات الشرقية بجامعة برينستون، برنارد هايكل أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية يعتبر نقطة تحول خطيرة في منطقة غير مستقرة وتمزقها الحرب. وأضاف "الأحداث تصاعدت مع إعدام النمر، الشيعي المتطرف، ولكن هذا التمزق تعود جذوره لبداية ظهور الثورة الإيرانية عام 1979، حيث لم يخف قائدها، آية الله الخميني احتقاره للعرب وقام بتقديم بلاده على أنها "بطلة للمظلومين"، ضد الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها السعودية". ويشير هايكل إلى أن إيران سعت إلى استخدام الأقليات ضد حكوماتها، لإيجاد حالة من البلبلة في الدول العربية، مثل البحرين، وسورية ولبنان، وأضاف "إيران تنظر إلى النظام السياسي في العالم العربي على أنه يخدم مصالح أعدائها، لذلك سعت باستمرار للانقلاب عليه، وذلك بتشجيع المجموعات الإرهابية ونشر مجموعات تابعة لها من أجل توسيع نفوذها في المنطقة، كما توجد هناك عناصر غير حكومية حظيت بالدعم الإيراني، من بينها الحجاج المشاغبون في مكة والانتحاريون في لبنان، ومقاتلو حزب الله الذين انخرطوا في معركة مع مجموعات الثوار التي تدعمها السعودية في سورية".


 


سياسة أكثر حزما

أشار هايكل إلى أن المملكة في عهد الملك سلمان، مالت إلى اتخاذ سياسة أكثر حزما مع إيران، وقال "حتى بداية هذا القرن كان الرد السعودي فاترا، فلقد سعت السعودية لترسيخ شرعيتها الإسلامية من خلال دعم قضايا التحرر الإسلامي في الخارج، خصوصا في أفغانستان والبوسنة، ولكن في العقود الأخيرة زادت سخونة الحرب الباردة بينها وبين إيران. وكان رد فعل إيران وحلفائها على إعدام النمر في شكل احتجاجات معادية للسعودية، ليس فقط في طهران، حيث تم حرق ونهب سفارة المملكة هناك ولكن أيضا في العراق والبحرين. واستفاد حكام السعودية من حدة الرد الإيراني، وتمكنوا من حشد المسلمين في دول كثيرة لجانبهم. إلا أنه يبقى من الواضح أنه بدون وجود تدخل خارجي من أجل جلب البلدين إلى طاولة المفاوضات، فإن تنافسهما سيعرقل الجهود من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من التصعيد، مما سيجعل الوضع الإقليمي السيئ أسوأ بكثير.