الإرهاب أصبح اليوم ظاهرة عالمية؛ برغم كونه يصدر من مسلمين وباسم الإسلام؛ و99 %، مِمن يستهدفهم هم من المسلمين، وعلى أراض إسلامية، وحكمنا عليه كظاهرة عالمية وليست عربية أو إسلامية فقط؛ هي بأن جميع - ولن أقول غالبية - رؤساء وزعماء العالم يتحدثون، إما في بعض المناسبات أو بكل المناسبات عن الإرهاب، ويقدمون رؤاهم الخاصة، في القضاء عليه، ليس هذا فحسب، بل حتى مرشحو المناصب السياسية في العالم، أصبحوا يتنافسون في ما بينهم، في طرح رؤاهم الخاصة، لأفضل الطرق والوسائل للقضاء على الإرهاب، أو على الأقل لحماية مواطنيهم منه.

الأوبئة التي ضربت العالم، مثل وباء إنفلونزا الخنازير، ومن بعده إنفلونزا الطيور، ووباء الآيبولا وقبلها الكوليرا وغيرها من الأوبئة الفتاكة، تم القضاء عليها والتخلص منها؛ مع كونها تنتشر بواسطة فيروسات لا ترى بالعين المجردة، ومن الصعب التعرف عليها للوهلة الأولى؛ قد تم التعرف عليها ثم القضاء عليها، بفضل التعاون والإخلاص الدولي، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الكل سيصاب بها، عاجلاً أم أجلاً؛ وعليه تكاتفت الجهود، وبنية صادقة للقضاء على الوباء المستهدف، وتم ذلك وبنجاح يحسب لكل البشرية، واستفادت منها كلها، وأكرر بأن سبب هذه الأوبئة، هو فيروسات غير مرئية أو مسموعة تبدل من جلدها ومصدرها، كلما تم التعرف عليها؛ وبرغم كل هذا، وبسبب التكاتف الجاد والنوايا السليمة تم القضاء عليها.

أما الإرهاب فهو مكشوف للعلن، ولا يحتاج الإنسان العادي - ناهيك عن رجل الاستخبارات أو السياسة- إلى نظارة طبية ليشاهده؛ ولا عن ميكرسكوبات عالية الدقة والتقنية، بل الإرهاب هو من يتطوع ويكشف عن نفسه ويعلن اسمه ورسمه وعنوانه وآلياته ووسائله ووسائطه، ويروج لنفسه وباحترافية منقطعة النظير، تحسدهم عليها أكبر الشركات العالمية العابرة للقارات في الترويج لمنتجاتها.

إن استخدام التنظيمات الإسلامية؛ كأدوات صراع من قبل الدوائر الاستخباراتية الغربية، في نزاعاتها السياسية والعسكرية التي تنشب بينها في بلاد المسلمين؛ قد بدأت ولو بشكل محدود ومتقطع، منذ بداية القرن العشرين، فعندما دخلت دولة الخلافة الإسلامية العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1914م، لجانب دول المحور، هدد السلطان (عبدالحميد) الغرب، بإعلان الجهاد عليهم؛ فسبقته بريطانيا العظمى في إعلان الجهاد عليه وخلافته الإسلامية؛ حيث أوعزت لحليفها في بلاد الحرمين الشريفين، (الشريف حسين) بأن يعلن الجهاد على الدولة التركية، وأعلنه فعلاً ضدها، فشن عرب المشرق العربي الجهاد ضدها، ما أدى إلى طردها من المشرق العربي بلا رجعة إليه، وفسح المجال للقوى الغربية العظمى بالحلول محلها، بلا خروج منه.

أي أن الجهاد لأغراض ومطامع سياسية واستعمارية، كان موجودا ومجربا، وقد نجح في ما عرف بالجهاد الإسلامي في أفغانستان، والمجال هنا لا يسمح باستعراض ما حدث بينهما من نجاحات ولو خفية لاستخدام الإسلام، كوسيلة حرب ونفوذ وتمكين في المنطقة، بين القوى الغربية وحلفائها الإقليميين.

عندما تم ضرب الولايات المتحدة في 11 سبتمبر، ظن العالم أجمع- ونحن أولهم- أن الإرهاب زائل لا محالة؛ خاصة عندما أرسلت الإمبراطورية الأميركية قواتها المسلحة الكاسحة والتي اكتسحت بها دولتين إسلاميتين، هما أفغانستان والعراق، وإسقاط أنظمتهما بقوة سطوة السلاح، إذ لم تصمد أي من حكومتي الدولتين القويتين نسبياً من حيث الخبرة في الحرب سوى أسابيع أمام جحافل الغزو الأميركي، والتي بدورها دمرت الأخضر واليابس في كلا البلدين، والنتيجة كانت رفع معنويات الشعب الأميركي، وبنفس الوقت، رفعت حالة الإرهاب وضاعفتها عن ذي قبل، ليس فقط لدينا؛ وإنما حتى في أميركا نفسها وفي الغرب وفي العالم أجمع.

أثناء التواجد العسكري الأميركي في العراق، كانت حكومة البعث في سورية تخشى أن تكون هي المستهدفة بعد العراق؛ وقد تم تهديدها بأن تكون كذلك، وعليه سهلت الحكومة السورية تمرير الإرهابيين الجهاديين عبر أراضيها للعراق، وأغرقته بهم؛ وشبه أجهضت مشروع الغزو الأميركي للعراق، وعندما بدأت القلاقل في سورية في 2011، تم إرجاع نفس المجاهدين من العراق إليها، وبتخطيط ومساعدة من أميركا وحلفائها.

إذًا أصبح الإرهاب سلاح دمار شامل غير محرم، يمكن لأي دولة استخدامه ضد أعدائها، دون أدنى مساءلة أو عقاب. أي أن الإرهاب دخل مع أسلحة الدمار الشامل، الكيماوية والجرثومية وحتى النووية ولكن دون تحريم، وكذلك تم استخدام الإرهاب كجيش عرمرم لمن لا جيش له؛ وضمنت مثل هذه الدول لنفسها مقاعد محجوزة مع كبار الدول العظمى في المؤتمرات الدولية، وبنفس الوقت، استخدمتها الدول العاجزة عن تحريك جيوشها، إما لضعفها أو خوف من الانفضاح والتورط؛ ولذلك جعلت من الإرهاب ذراعا لها، تضرب به من تشاء، ومتى تشاء، وحيث تشاء، بدون أن تحرك جنديا واحدا من جيشها وتتعرض لمساءلة من شعبها، إذًا؛ الكل يدعي محاربة الإرهاب، وبنفس الوقت؛ الكل يحارب بواسطة الإرهاب.

الإرهاب مكون من إرهابيين، شباب معروفين بالأسماء ومعروف من أين جاؤوا، ومن جاء بهم، ومن يمولهم ومن يدربهم وأين يدربهم، ومن ينشرهم وأين ينشرهم؛ أي لن يكون كشف مواقعهم بأصعب من كشف فيروسات أي وباء، وبرغم ذلك فاستخبارات التحالفات الدولية ضد الإرهاب عجزت عن القضاء عليه؛ بينما وزارات الصحة، بأطبائها وممرضيها المسالمين وأدويتها، كانت كفيلة وما زالت، بالقضاء على أي أوبئة تضرب العالم.

حيث أصبح الإرهاب، كالأورام السرطانية، برغم اتفاق الجميع على خطورتها، إلا أنه تم التفريق فيما بينها، بين الأورام الخبيثة والأورام الحميدة، الإرهاب الضار هو الإرهاب الخبيث؛ والإرهاب الحميد هو ما يفيد، أو على الأقل لا يضر، وفي حالة السرطان من المستحيل أن يتحول الورم الخبيث إلى ورم حميد، والعكس صحيح؛ أما في حالة الإرهاب، فبغمضة عين وفتحها، يتحول الخبيث إلى حميد والحميد إلى خبيث؛ على حسب ما يضرب ومن يضرب، ومتى يضرب وأين.

صعوبة القضاء على الإرهاب، كونه تحول من ظاهرة إنسانية متوحشة؛ إلى سلاح عسكري واستخباراتي وسياسي خطير، حيث وصل إلى درجة بأن أصبح سلاح من لا سلاح له؛ وقوة من لا قوة له. التدخل المباشر للدول في صراعاتها مع بعض أو حول بعض، من الصعب أن تستخدم جيوشها المسلحة، لاعتبار ذلك اعتداء سافرا ومباشرا ومكلفا، وقد يتحول إلى تورط غير محسوب العواقب؛ ولذلك فاستخدام الإرهاب خير وسيلة لتحقيق المصالح، دون عناء أو جهد أو حتى مساءلة تذكر. الإرهاب أصبح سلاح دمار شامل؛ تستطيع أي قوة كبيرة كانت أم صغيرة، أن تستخدمه وبتشف ضد خصومها وأعدائها وفي سبيل تحقيق أطماعها، دون أن تتعرض لأي مساءلة تذكر لا من شعبها ولا من المؤسسات الأممية الموكلة بالتحقيق في قضايا جرائم الحرب.

ولذلك فليس بمستغرب أن تتغير مسميات التنظيمات الإرهابية من إرهابيين إلى ثوار والعكس صحيح، حسب الحين، وحسب المكان، وحسب أي دولة يضرب. إذًا فالإرهاب وجد ليبقى، وسيبقى على الأقل، في العشرين سنة القادمة بخير وسلام، يقطع الرؤوس ويفجر في الآمنين والسلام.