أحمد بن علي العمودي


كشفت دراسة علمية أن المسؤولية المجتمعية تعّد سلوكاً مؤثراً يتوجب على منظمات الأعمال الانتباه إليه عند صياغة الاستراتيجيات التسويقية وبشكل خاص استراتيجيات التسعير والترويج، فضلاً عن أنها تلعب دوراً واضحاً في المزيج التسويقي الخدمي والعلاقات التبادلية بين منظمات الأعمال الخدمية وزبائنها، وتشخيص رغبات وحاجات الزبائن وطرح خدمات تتلاءم معهم بما يفعل مفهوم الخدمة المفصلة.

وشددت الدراسة ذاتها على أهمية فهم التداخل بين أخلاقيات التسويق والمسؤولية المجتمعية لكل من منظمة الأعمال والزبائن والمجتمع معاً، حيث تسعى الشركة إلى تحقيق الربحية بينما يطمح الزبون لأن يكون راضياً عن الخدمات التي انتفع بها، وبالتالي يكون بالإمكان أن تتحقق الرفاهية للمجتمع.

في الوقت ذاته تفيد الدراسات العلمية بأن الشركات التي لا تتبنى المسؤولية المجتمعية قد تصبح أكثر عرضة للمخاطر في عالم اليوم الذي يتجه بسرعة نحو العولمة، حيث يعمد المستهلكون لمعاقبة الشركات وفق ما أوضحته دراسة بأن 27% من المستهلكين في 25 دولة عاقبوا الشركات عن الممارسات التجارية غير المسؤولة، وأن 27% منهم فكروا في القيام بذلك، كما أشارت دراسة أخرى أجرتها شركة "تايلور نلسون سوفرس" الأسترالية التي تعمل في مجال التسويق إلى أن 68% من المستهلكين الأستراليين عاقبوا الشركات عن السلوك غير الأخلاقي، وغالباً ما يأخذ العقاب شكل تحول المستهلكين لمنتجات شركة منافسة، ورغم أن المستهلكين في الدول المتقدمة يبدون استعداداً أكبر للقيام بذلك، تبين الدراسات بأن هذا الاتجاه يوجد بوضوح أيضاً في بعض الدول النامية.

وقد حددت جمعية التسويق الأميركية (A.M.A) القواعد الأخلاقية التي يجب أن يلتزم بها المسوقون والتي تمثلها المسؤولية المجتمعية وتشمل تحمل المسوق لمسؤولياته والصدق والوضوح والحقوق والواجبات خلال عمليات التسويق وتطوير المنتج والإدارة والترويج والتوزيع والتسعير، فضلاً عن تطوير بحوث التسويق والعلاقات التنظيمية هي ما يعبر عنها بالأخلاق الإدارية التي تعتبر جزءاً من المسؤولية المجتمعية للشركة، وتظهر هنا أهمية المفهوم الأخلاقي للتسويق الذي يعد امتداداً للمفهوم المجتمعي.

المسؤولية المجتمعية ذات مردود مزدوج على الشركات، فكما أنها تعود بالفائدة على المجتمع فإنها مفيدة للشركة أيضاً، ولا نستطيع حصر هذه المنافع المتبادلة هنا، ولكن نركز على أنها تسهم في تحسين صورة الشركة الذهنية لدى العملاء والمتعاملين معها وكذلك لدى الموردين والأجهزة الحكومية والشركات الأخرى.

ومن فوائدها أيضاً أن المسؤولية المجتمعية تضمن تفعيل التواصل بين الشركة ومجتمعها الخارجي، فضلاً عن تقديم خدمات لموظفيها وللمجتمع المحيط بها، مما ينعكس حتماً على سمعتها ومكانتها بين أفراد المجتمع، وبالتالي تحقيق مزيد من الأرباح.

كما أن تبني المسؤولية المجتمعية يعطي شعوراً بالثقة لدى المتعاملين مع الشركة، بسبب معاملتها العادلة وصدقها في البيع والشراء وتحقيق المنافسة العادلة، والمحافظة على حقوق الملكية الفكرية، مما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع القيمة السوقية لأسهم الشركة وإقبال المستثمرين عليها.

ولا ننسى أن نستعرض الدور الإيجابي للمسؤولية المجتمعية تجاه الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة وتبني برامج خدمة المجتمع وتحسين معيشة المجتمع وحل مشكلاتهم.

إن سعي الشركات لتحقيق أرباح تعود بالفائدة على المساهمين وملاكها هو حق مكفول لها، ما دامت التزمت الشركة بالقوانين وأخلاقيات العمل المتعارف عليها، وهنا نطالب الشركات وندعوها إلى تحقيق التوازن بين إعطاء المجتمع حقه من الرعاية والاهتمام والتنمية المستدامة عبر بوابة المسؤولية المجتمعية، وبين رغباتها في التوسع وتحقيق مزيد من الأرباح.