ليس من عادتي الرد على المخالف لكلامي، وذلك إما لمنحه حقه في الاختلاف دون تحكم برأيي أو مصادرة رأيه، وإما لكونه لا يستحق الرد بشخصه أو بقوله كالمدعو النجيمي هنا، والتجاهل هو الحكمة عملاً بقوله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)، ولكن أحيانا يضطرك الآخر إلى الرد عليه في حال غالط وضلل وأساء ووجد من يصدقه، وهذا حالي اليوم مع المدعو محمد النجيمي الذي كان أول إساءة منه تجاهي قبل خمس سنوات حينما سأله الأخ عبدالله المديفر في برنامجه (لقاء الجمعة) عن قولي في الحلقة السابقة لاستضافته عن مسألة (الإنكار في مسائل الاجتهاد)، فكان رده كالعادة غير محترم، وقد رددت عليه حينذاك في زاويتي (وحي الخاطر) بجريدة المدينة في 9/ 12/ 2011 بعنوان (حوار علمي مع الأخ محمد النجيمي)، ثم في 20/ 5/ 2014 استجبت لدعوة من الصديق د. أحمد العرفج لتدشين برنامجه (الميدان) بقناة الرسالة، وكان يواجهني في تلك الحلقة المدعو النجيمي عن موضوع سياقة المرأة، وظهر فيها كعادته ضحل العلم ضعيف الحوار متناقض الرأي، ولا أدري كيف يحمل هذه الدرجة العلمية وهو لا يدرك أبجديات الفقه وأصوله، فضلا عن الأدب الشرعي.

وبعد مقالي في هذه الزاوية الأسبوعية الأربعاء قبل الماضي 6/ 1/ 2016 بعنوان (شرعية هيئة الأمر بالمعروف بين الافتئات والكهنوت)، نشر رد للمدعو النجيمي في 11/ 1/ 2016 بعنوان (يا عيسى: لا يوجد في الإسلام كهنوت)، وكتب قبل اسمه لقبه العلمي (أ. د) في حين جردني كعادته من أي لقب مخاطبا لي بلقب (الأخ) مع أنه لا يسرني أن أكون أخا له كإخوته الإخوانيين الذين يدافع عنهم تجاه نقدي ونقد غيري لهم، ويمنحهم سلاسل الألقاب ولو كانوا جهلة متعالمين مثله، ولا ننسى تشدده تجاه الاختلاط المباح في السعودية، ثم فضيحته في الكويت بممارسته الاختلاط المحرم مع مجموعة من النساء مع مصافحتهن ومضاحكتهن في حفل صاخب ومختلط وغنائي وراقص لفتيات مراهقات، وبشكل فج ومريب واليوتيوب شاهد.

وقد تجاهلته في الأربعاء التالي 13/ 1/ 2016 ونشرت تتمة لموضوع الهيئة تحت عنوان (حدود ولاية هيئة الأمر بالمعروف)، وذلك لعدم الحاجة إلى الرد على المدعو النجيمي لأنه إن كان لم يقرأ مقالي قبل رده فتلك مصيبة وإن كان قد قرأه فالمصيبة أعظم، لأنه إما أنه لا يفهم أو أنه يماحك لقصد المزايدة، إلا أن بعض الأصدقاء من أصحاب الفضيلة ألحوا عليّ بالرد كشفا لمغالطاته وفضحا لتضليلاته التي اغتر بها بعض الجهلة، فاستعنت بالله وأقول:

أولا: أعزي الطلبة الذين يدرسون عند المدعو النجيمي ما دام هذا مستوى فهمه وعلمه، فضلا عن أدبه، ففي مقالي حاربت الكهنوت الذي جاء النجيمي يدافع عنه، والإسلام فعلاً لا يوجد فيه كهنوت، ولكنّ المسلمين بينهم ممارسات كهنوتية ودورنا كعلماء شريعة أن نكشف هذه الكهنوتية التي جاء المدعو النجيمي ليدافع عنها، وهو يدعي إنكارها، والكهنوت مصطلح علمي يناقض الإسلام والتوحيد، وهو جعل علماء الدين رجالا للدين دون سواهم وفرض تقليد آحادهم على الناس.

ثانيا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما سبق في مقالي إنه فريضة ولكنها كفائية لا عينية، وأوجبت السياسة الشرعية والمصلحة العامة ضمن الدولة الحديثة قصرها في جهاز رسمي وتجريد سواهم من التطفل، وتجريم الافتئات وهو الذي أكدت عليه في المقال اللاحق عن حدود ولاية الهيئة، وأما الهيئة فهي أداة لتحقيق الفرض الكفائي، سواء ألغيت ووزعت ولايتها على جهات أخرى كالشرطة أو دمجت مع وزارة الداخلية، لا سيما أنه لم تكن هناك هيئة في عهد النبوة وطول القرون المفضلة والماضية، فكيف يغالط المدعو النجيمي ويزعم أن الإلغاء لهذا الجهاز الحكومي يعد مخالفا للشرع وإلغاء للأمر القرآني ما دام الفرض الكفائي قام به باقي أجهزة الدولة، ومع أني مع بقائها ولو تم دمجها لا إلغاءها وذلك لمصلحة قصر الكفاية عليهم، وقطع الطريق على من سواهم من المفتئتين، إلا أنه بشرط اقتصارها على حدود صلاحياتها التي يجب تحديدها وإعلانها وعدم الاعتداء على حقوق الناس في التقليد والممارسة.

ثالثا: ناقض المدعو النجيمي نفسه كعادته وأورد ضمن نقولاته الطويلة -التي لا حاجة لها ولا فائدة منها سوى المغالطة والتضليل- اعترافه بجواز الدمج، حيث قال (وقد تجمع لرجل -أي الحسبة- فقد جمعت ليحيى بن أكثم بين القضاء وقيادة الجهاد في بعض الغزوات، وجمع لآخر بين الحسبة والشرطة..)، وهذا هو الذي قلته بالدمج، حيث تمارس الحسبة اليوم عدة جهات ولا يشترط تسميتها بالهيئة مثل مكافحة الغش من قبل وزارة التجارة وغيرها من ممارسات الحسبة من قبل البلدية والشرطة والمرور ومكافحة المخدرات وغيرها من أجهزة الدولة.

رابعا: تجديفات المدعو النجيمي وتكفيره الخفي لا يليق بمراهق داعشي جاهل، فضلا عمن أزعجنا في كل مرة أنه خبير في مجمع الفقه، وهو يتهم عالم شريعة وقاضيا شرعيا بأنه يتضمن مقاله علمنة لمجرد أنه فرق بين الشأنين الديني والدنيوي، وهذا هو الكهنوت الذي حذرت منه، ولكني لم أتوقع أن ينزل المدعو النجيمي لهذا المستوى من الجهل والمغالطة، وهو إرهاب فكري وتكفير تحضيري غير مستغرب منه ومن أمثاله من الغلاة والحزبيين.

خامسا: من حق المدعو النجيمي وغيره أن يختلف معي ويناقش رأيي ويقدم رأيه وأدلته، ولكن بلا مغالطات ولا تضليل ولا تكفير ولا سوء أدب، وما دام هذا حال بعض المتعالمين كالمدعو النجيمي فكرا وخطابا وسلوكا فكيف سيكون الحال مع طلابه الذين أخشى أن يكونوا "دواعش تحت الطلب".